قويٍّ عتيدٍ كما مهَّد لحكم العباسيّين؛ فإنّ العباسيّين لم يمهّد لحكمهم إلّا هذه القواعد وأمثال هذه القواعد، ولكن لم يمهّد هذا الوضع من القواعد لحكم الإمام علي (عليه السلام) الذي هو اطروحة أولاده المعصومين (عليهم السلام).
ولهذا نرى أنّ الثورات الاخرى التي عاشها المسلمون من المخلصين للإمام علي (عليه السلام) كانت تُمنى كثيراً من الأحيان بالتناقضات الداخليّة، حتّى من قبل قواعدهم الشعبيّة، وكان يحصل فيها انحراف بين حينٍ وحين؛ وذلك لأنّ القاعدة لم تكن واعيةً للُاطروحة، كانت حارّةً ولم تكن واعية، والحرارة لا تنتج بناءً حقيقيّاً للإسلام، وإنّما البناء الحقيقي للإسلام يقوم على أساس الوعي[1].
فمثلًا محمّد بن إبراهيم- هذا الرجل العظيم- كان قائده أبو السرايا، أبو السرايا كان كمالك الأشتر بالنسبة إليه. أبو السرايا ارتبط به ارتباطاً عاطفيّاً[2]، رآه في طريقه متّجهاً من المدينة إلى مكّة؛ [فإنّه] لمّا كان مسافراً من المدينة إلى مكّة واجه شخصين:
قصّة محمّد بن إبراهيم طباطبا مع نصر بن شبث (شبيب):
أحدهما لا أذكر اسمه بل أذكر القصّة، واجهه وقال له[3]: «إنّك رجل مهيّأ، وبإمكانك أن ترفع الراية، وأن تعرض على المسلمين البيعة على الرضا
[1] راجع المحاضرة الخامسة من هذا الكتاب.
[2] مقاتل الطالبيّين: 426 وما بعد.
[3] هو نصر بن شبث( أو: شبيب بحسب مقاتل الطالبيّين) كما ذكرنا، ولكنّ ابن طباطبا لم يلتقِ به في الطريق كما ذكر( قدّس سرّه) قبل قليل، بل الصحيح ما يذكره( قدّس سرّه) في ما يأتي إجمالًا، من أنّ نصر بن شبيب زاره في المدينة أوّل الأمر ومنّاه النصرة، وتواعدا، فزاره ابن طباطبا في الجزيرة طلباً للنصرة، ثمّ صرفه عنها قومه، فاعتذر نصر من ابن طباطبا، فغضب الأخير ورجع إلى الحجاز حيث التقى في طريقه إليها بأبي السرايا، فراجع: مقاتل الطالبيّين: 424 وما بعد. والمقصود من الجزيرة هنا على ما يبدو:« ما بين دجلة والفرات»[ مسالك الممالك( الاصطخري): 71].