برهةً من الزمن، ثمّ بعد هذا يمكنك أن تصفّي كلّ هذه الولايات الفاجرة، وكلّ هذه الثروات المحرّمة، كلّها تنكرها بعد هذا.
الإمام (عليه الصلاة والسلام) في جواب هذا الشخص رفض هذه الألوان من المساومة والمعاملة، واستمرَّ في خطّه السياسي يرفض كلَّ مساومة ومعاملة من هذا القبيل[1].
ومن هنا قيل- قال معاصروه، وقال غير معاصريه[2]-: إنّه كان بإمكانه أن يسجّل نجاحاً أكبر وأن يحقّق توفيقاً من الناحية السياسيّة أكثر لو أنّه قَبِل أنصاف الحلول، ولو أنّه مارس هذا النوع من المساومات ولو بشكلٍ مؤقّت.
هذه هي الناحية السياسيّة في الموضوع.
2- دراسة الظاهرة من الناحية الفقهيّة:
أمّا من الناحية الفقهيّة في الموضوع، فهي ناحية التزاحم.
الفقه يقول بأنّه إذا توقّف واجب أهمّ على مقدّمةٍ محرّمةٍ. فلابدّ من الحفاظ على ذلك الواجب الأهمّ، ولا يجوز تبرير ترك الواجب الأهمّ في سبيل
[1] قال المغيرة بن شعبة لعليٍّ( عليه السلام):« أرى أن تقرّ معاوية على الشام وتثبت ولايته» أنساب الأشراف 2: 209؛ تاريخ اليعقوبي 180: 2؛ الفتوح 515: 2؛ بحار الأنوار 34: 32، الحديث 22. وقد كتب الإمام علي( عليه السلام) إلى معاوية:« وإنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار عليَّ أن أستعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله ليراني أتّخذ المضلّين عضداً» وقعة صفّين: 52. كما كان ابن عبّاس« ممّن أشار على عليٍّ أن يستنيب معاوية على الشام وأن لا يعزله عنها في بادئ الأمر، حتّى قال له في ما قال: إن أحببت عزله فولِّه شهراً واعزله دهراً»، ولكنّه( عليه السلام) أبى« إلّا أن يقاتله» البداية والنهاية 299: 8، وكان( عليه السلام) قد قال لابن عبّاس حول تولية طلحة والزبير:« ولو كنت مستعملًا أحداً لضرّه ونفعه لاستعملت معاوية على الشام» الإمامة والسياسة 71: 1. كما تبرّع جرير بن عبدالله البجلي أن يكلّم معاوية ويدعوه« على أن يسلّم لك هذا الأمر ويجامعك على الحق، على أن يكون أميراً من أمرائك وعاملًا من عمّالك ما عمل بطاعة الله واتّبع ما في كتاب الله» وقعة صفّين: 27؛ الفتوح 506: 2.
[2] ممّن تعرّض لهذه الإشكاليّة ودفعها الدكتور عبدالفتّاح عبدالمقصود: الإمام عليبنأبيطالب 4: 23 وما بعد.