هؤلاء أعطَوا للقضيّة التي طرحها أمير المؤمنين (عليه السلام) عطاءً لا يستهان به، ولكنّ هذا العطاء كان ولا بدّ أن يتناقص بالتدريج وفقاً لمستوى وعي هؤلاء، على ما سوف أشرح في نهاية الحديث[1].
إذاً، فهنا لم تكن الاطروحتان متكافئتين من حيث درجة الجهد، من حيث درجة الطلب، من حيث درجة الدفع والتحريك: اطروحة تريد منك أن تخرج من بيتك مهاجراً تغزو في سبيل الله، واخرى تريد منك أن تبقى في بيتك، وأن تحافظ على استقلال بيتك في بيتك.
هذا الفرق الكبير بين الدرجتين لهاتين الاطروحتين- بين درجة الجهد التي تفرضها هذه الاطروحة ودرجة الجهد التي تفرضها الاطروحة الاخرى- كان له دورٌ كبيرٌ في طبيعة الموقف الذي سوف نتحدّث عنه في نهاية هذا الحديث[2].
النقطة الثانية: عليٌّ (عليه السلام) يواجه إفرازات السقيفة ومعاوية يكرّس جاهليّة الشام:
أ- إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كما كان بصدد تصفية التجزئة السياسيّة المنحرفة التي وقعت في العالم الإسلامي وقتئذٍ، كان أيضاً يواجه انحرافاً في داخل المجتمع الإسلامي الذي حكمه نتيجةً للظروف السياسيّة التي صبغته. وكان لابدّ له أن يخوض معركةً ضدّ هذا الانحراف الذي كان يعيشه المجتمع العراقي والحجازي والمجتمع الإسلامي بشكلٍ عام؛ فعليٌّ (عليه السلام) كان يواجه معركتين:
1- معركةً ضدّ التجزئة السياسيّة في جسم الامّة الإسلاميّة.
2- ومعركةً اخرى ضدّ الانحراف الداخلي في المجتمع الإسلامي،
[1] راجع في هذه المحاضرة: النقطة الرابعة: الاختلاف بين الدعويين على مستوى الوعي والحس. كما راجع تحت عنوان: سريان الشكّ وتعمّقه في مجتمع الإمام عليّ( عليه السلام).
[2] تحت عنوان: سريان الشكّ وتعمّقه في مجتمع الإمام عليّ( عليه السلام).