لهذا المبدأ الذي حاول الإمام الباقر أن يعطيه.
تمخّض الانحراف السياسي عن مبدأ فكري منحرف:
الإمام الباقر عاصر حالة تمخّض مبدأٍ فكريٍّ جديد تجسّد فيه الانحراف السياسي؛ فكما أنّ العمل السياسي في الدور الأوّل لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) بدأ من الدور الثاني في إعطاء ملامح تفصيليّة للفرقة الناجية، [فإنّ] الانحراف السياسي الذي عاشه الدور الأوّل كان قد بدأ يتمخّض عن مبدأ فكري.
ما هو ذلك المبدأ؟ هو مبدأ مرجعيّة الصحابة، أو الصحابة والتابعين.
تعلمون بأنّ الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أعطى المرجعيّة السياسيّة والمرجعيّة الفكريّة لعليِّ بن أبي طالب ولخلفائه (عليهم السلام) من بعده[1]. وتعلمون أنّ المرجعيّة السياسيّة انتزعت من أمير المؤمنين (عليه السلام) إثر وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله). وأمّا المرجعيّة الفكريّة- كمرجعيّة رسميّة- فقد بقيت شاغرةً ومعطّلة، ولم يكن هناك تخطيطٌ واضحٌ لملء هذا الفراغ في عهد الخلفاء الثلاثة، وهذا ما سوف نبحثه في ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام)[2].
وبعد انتهاء عصر الصحابة وبدء عصر التابعين، وانقراض كثيرٍ من التابعين أيضاً وبدء [عصر] تابعي التابعين، في هذا العصر واجهت الدولة الإسلاميّة والمجتمع الإسلامي ضرورة ملء هذا الفراغ؛ وذلك لأنّهم ابتعدوا عن مصادر الإسلام، ابتعدوا عن الكتاب والسنّة وعن عصر النبي (صلّى الله عليه وآله)، ابتعدوا عن لغة الكتاب ومناسباته وظروف الكتاب، وأصبح الكتاب لا يخلو من غموضٍ في نظرهم باعتبار البعد الزمني، وكذلك النبي (صلّى الله عليه وآله)؛ [حيث] لم يبقَ لهم شخصٌ ينقل
[1] راجع حول الفكرة: التشيّع والإسلام( بحث حول الولاية): 56،[ المرجعيّة الفكريّة والقياديّة لأهل البيت( عليهم السلام)].
[2] ربما يقصد( قدّس سرّه) ما وعد ببحثه حول حياة أمير المؤمنين( عليه السلام) ممّا لم يصلنا على تقدير أنّه بحثه. وراجع على كلّ حال ما ذكره( قدّس سرّه) في المحاضرة الخامسة حول عدم كفاءة قيادة التجربة الإسلاميّة.