والجدل الكلامي كانت وقتئذٍ قد بدأت تستقطب العالم الإسلامي[1]، وبهذا كان الإمام الرضا (عليه السلام) يولي هذه الناحية أيضاً درجةً كبيرةً من الأهميّة.
الإمام الرضا (عليه السلام) يُشكّل منعطفاً في حياة الأئمّة (عليهم السلام):
مثل هذا النشاط الملحوظ لم يكن يمارسه آباء الإمام الرضا (عليه السلام)؛ فآباء الإمام الرضا (عليهم السلام) لم يكونوا بأنفسهم يسافرون للاتصال المباشر مع قواعدهم الشعبيّة، وتثبيت إمامتهم على تلك القواعد بالشكل المباشر، ثمّ محاولة الاتّصال المباشر مع قواعدهم الشعبيّة بهذا الشكل واسع النطاق.
هذا في الواقع كان من مظاهر طبيعة المرحلة، كانت طبيعة المرحلة وطبيعة اتّساع هذه القواعد وازدياد نفوذ مدرسة الإمام (عليه السلام) الروحي والفكري والاجتماعي في نفوس المسلمين تقتضي هذا النوع من النشاط من الإمام الرضا (عليه السلام).
إلّا أنّ أصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام) لم يربطوا بين هذا التحوّل المظهري في تصرّفات الإمام الرضا (عليه السلام) عن خطّ آبائه وبين السلوك الموضوعي للمرحلة، ولهذا حاولوا الاعتراض عليه من هذه الناحية.
اتّساع القاعدة الشعبيّة أهّلت الإمام (عليه السلام) للحكم المتعارف لا المنشود:
فحينئذٍ، هنا الإمام الرضا (عليه السلام) منذ بداية تسلّمه زمام المسؤولية نفّذ خصائص هذه المرحلة من حيث كونها مرحلة ارتفاع هذه القواعد الشعبيّة.
ولكن يجب أن يعلم- كما كرّرنا ذلك أيضاً في بعض المحاضرات السابقة[2]– أنّ نموّ هذه القواعد الشعبيّة لم يكن يعني حقيقةً أنّ مرحلة عمل
[1] وكان المأمون نفسه مغرماً بالاطلاع على معرَّبات اليونانيّة، فراجع: تاريخ الإسلام 128: 19.
[2] يقصد المحاضرة الرابعة والعشرين، وقد أشار( قدّس سرّه) إلى هذه النقطة في المحاضرة الثالثة، تحت عنوان: هل كان الأئمّة يحاولون تسلّم الحكم؟ وراجع كذلك: التشيّع والإسلام( بحث حول الولاية): 63،[ الجانب الروحي والسياسي في اطروحة التشيّع].