الناس حينما يفتقدون[1] إيمانهم بالدين أو إيمانهم بأيّ عقيدة، تبقى عندهم مجموعةٌ من العواطف بعد انطفاء العقيدة. ولكي يمكن إرجاعهم إلى تلك العقيدة لا بدّ من تحريك هذه العواطف.
وهذه العواطف لم يكن بالإمكان تحريكها في قتلٍ عابرٍ سهلٍ من هذا القبيل، وإنّما كان لا بدّ لكي تتحرّك هذه العواطف من أن تحشد كلُّ المثيرات وكلّ المحرّكات وكلّ المنبّهات لهذه العواطف، إلى درجة أنّ عمر بن سعد بنفسه يبكي ويُصدر الأوامر بالسلب[2] والنهب في بقيّة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام)[3].
الموقف الثالث: اللواذ بثغرٍ من ثغور المسلمين:
الموقف الثالث [هو] أن يذهب إلى ثغرٍ من ثغور المسلمين، يذهب إلى اليمن مثلًا- وله شيعة في اليمن على ما شهد أخوه محمّد بن الحنفيّة[4]– ويبقى
[1] في( ح) و( غ) و( ل):« يعتقدون»، وما أثبتناه من مصحّحة( ن).
[2] في( غ):« بالسبي»، وما أثبتناه من( ل) و( ن)، خاصّة أنّ في( ح):« بالسَّيْب».
[3] راجع حول ميلان رجال عمربن سعد« على نساء الحسين وثقله ومتاعه»، ثمّ نهيه إيّاهم عن التعرّض للنسوة: تاريخ الامم والملوك( الطبري) 454: 5؛ الكامل في التاريخ 78: 4؛ البداية والنهاية 188: 8. أمّا البكاء، فقد« جعلت زينب بنت علي تقول: يا محمّداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، يا محمّداه! وبناتك سبايا وذريّتك مقتّلة تسفي عليها الصبا! فأبكت كلّ عدوّ وولي» أنساب الأشراف 206: 3؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 456: 5.« قالت زينب بنت علي لعمر بن سعد: يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر؟! فبكى( عمر) وانصرف بوجهه عنها» أنساب الأشراف 203: 3،« فكأنّي أنظر الى دموع عمر وهي تسيل على خدّيه ولحيته» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 452: 5. وانظر: الكامل في التاريخ 4: 78؛ البداية والنهاية 188: 8. وسيجدّد( قدّس سرّه) الاستشهاد ببكاء ابن سعد في المحاضرة التاسعة عشرة، تحت عنوان: قاتلُ الحسين( عليه السلام) هو قاتل أهدافه والبكاء عليه غير كافٍ. وفي المحاضرة الحادية والعشرين، تحت عنوان: كيف يمكن أن نكون قتلة للحسين( عليه السلام)؟ ويُمكن الاستشهاد ببكاء يزيد بن معاوية نفسه؛ إذ« لمّا اتي يزيد برأس الحسين فوضع بين يديه .. رأيته يبكي .. لو كان بينه وبينه رحم ما فعل هذا» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 393: 5.
[4] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 342: 5؛ الفتوح 20: 5؛ حيث قال له:« فإنّهم أنصار جدّك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً، وأوسع الناس بلاداً، وأرجحهم عقولًا».