كيف يمكن أن يُفهِمَ الامّةَ ذلك إذا كان هو يبيع قطّاعاتٍ من هذه الامّة لحكّامٍ فجرةٍ من قبيل معاوية بن أبي سفيان في سبيل أن يسترجع هذه القطّاعات بعد ذلك؟!
بطبيعة الحال، كان هذا معناه مواكبة المؤامرة التي كانت كلُّ روح العصر تتفجر أو تتمخّض عن مثل هذه المؤامرة. هذه المؤامرة التي كانت تتمخّض عنها كلُّ روح العصر، والتي كان أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) واقفاً لأجل أن يحبطها وينقذ الامّة منها، لا يُمكن- بحال من الأحوال- أن نفترض أنّ الإمام (عليه الصلاة والسلام) يساهم فيها[1].
النقطة الرابعة: الإمام علي (عليه السلام) يقدّم الاطروحة السليمة على طول الخطّ:
وأخيراً ورابعاً: إنّ عليَّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) لم يكن يتعامل مع الفترة الزمنيّة القصيرة التي عاشها فقط، وإنّما كان يحمل هدفاً أكبر من ذلك.
أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كان يحسّ بأنّه قد أدرك المريض وهو في أواخر مرضه، قد أدركه حيث قد لا ينفع العلاج، ولكنّه كان يفكّر في أبعاد أطول وأوسع للمعركة، لم يكن يفكّر فقط في الفترة الزمنيّة التي عاشها، وإنّما كان يفكّر على مستوى آخر أوسع وأعمق، وهو المستوى الذي أشرنا إليه في بعض الأيّام السابقة[2]؛ حيث قلنا بأنّ الإسلام كان بحاجة إلى أن تُقدَّم له في خضمّ الانحراف اطروحةٌ واضحةٌ صريحةٌ نقيّةٌ لا شائبة فيها ولا غموض، لا التواء فيها ولا تعقيد، لا مساومة فيها ولا نفاق ولا تدجيل.
هذه الاطروحة كان الإسلام بحاجة إلى أن تُقدَّم إلى الامّة، لماذا؟
لأنّ الامّة كُتِب عليها أن تعيش الحكم الإسلامي المنحرف منذ نجحت
[1] قمنا بتصحيح الضمائر الواردة في هذه المقطع.
[2] في المحاضرة السابعة، تحت عنوان: تخطيط الأئمّة( عليهم السلام) لمواجهة الانحراف، وفي المحاضرة الثامنة، تحت عنوان: الخطّ الثاني: خطُّ تحصين الامّة، معالجة العامل الكيفي.