هذا الكيان السياسي القائم في الشام طرأ في أيّام علي (عليه السلام)، بينما الآن كيان الحسن (عليه السلام) يعتبر في ذهن[1] الإنسان العادي هو الطارئ على الكيان السياسي.
فقد استغلّ معاوية هذه النقطة في كتابه إلى الإمام الحسن (عليه السلام) حيث قال ما مضمونه: «قد تمّت الخلافة لي ولزمتك منذ يوم التحكيم، وأنت الآن لا بدّ لك أن تدخل في ما دخل الناس»[2].
معاوية يتكلّم بلغة الخليفة، بينما لم يكن يمكنه أن يتكلّم بلغة الخليفة في عهد عليٍّ (عليه السلام)؛ لأنّه هو الذي شقّ عصا الطاعة عليه (عليه السلام)، فلو تكلّم لم يكن مثل هذا الكلام قادراً على أن يزرع الشكّ قدرةَ كلامه مع الإمام الحسن (عليه السلام) [على فعل ذلك].
فهذا العامل الثاني [يثير الشكّ] في أذهان العاديّين غير الواعين في أنّه: هل من الضروري الحفاظ [على هذا الكيان]؟ أو هل من الضروري بناء هذا الكيان إلى جانب ذلك الكيان؟ أو بالإمكان الانسحاب من ذلك الكيان؟
العامل الثالث: الاعتبارات الشخصيّة القائمة في أمير المؤمنين (عليه السلام):
العامل الثالث هو الاعتبارات الشخصيّة القائمة في أمير المؤمنين؛ فالإمام الحسن والإمام علي (عليهما السلام) في منطق العصمة سواء، وفي منطق النصّ الإلهي سواء، ولكنّهما في منطق الجماهير وقتئذٍ لم يكونا سواء.
ونحن نعلم بأنّ التجربة والحكم الذي كان يمارسه الإمام علي (عليه السلام) لم يكن قائماً على أساس نصٍّ إلهيٍّ أو [على أساس] العصمة، وإنّما كان استمرارا
[1] في المحاضرة الصوتيّة:« أذهان».
[2] « إلى أن اختار رجلًا واخترنا رجلًا ليحكما بما يصلح عليه أمر الامّة وتعود به الألفة والجماعة، وأخذنا على الحكمين بذلك عهد الله وميثاقه، وأخذا منّا مثل ذلك على الرضا بما حكما، ثمّ إنّهما اتّفقا على خلع أبيك فخلعاه، فكيف تدعوني إلى أمر إنّما تطلبه بحقّ أبيك وقد خرج أبوك منه؟ فانظر لنفسك أبا محمّد ولدينك، والسلام» الفتوح 286: 4؛ وقريبٌ منه: شرح نهج البلاغة 25: 16.