نظر اولئك الذين يحبّون السلامة، اولئك الذين يرون في التضحية لوناً من ألوان التهوّر واللامعقوليّة وقلّة الأناة.
الاسلوب الثاني: حشد كلّ المثيرات العاطفيّة في المعركة:
وكان من الأساليب التي اتّخذها أيضاً (عليه أفضل الصلاة والسلام) لكسب هذه الأخلاقيّة ومجاملتها: أنّه حشد في المعركة كلَّ القوى والإمكانيّات.
لم يكتفِ (عليه أفضل الصلاة والسلام) بأن يعرّض نفسه للقتل؛ عسى أن تقول أخلاقيّة الهزيمة: إنّ شخصاً حاول أن يطلب سلطاناً فقتل، بل أراد أن يعرّض أولاده وأهله للقتل، ونساءه للسبي[1].
أراد أن يجمع على نفسه كلّ ما يمكن أن يجتمع على إنسان من مصائب وتضحيات وآلام؛ لأنّ أخلاقيّة الهزيمة مهما شكّكت في مشروعيّة أن يخرج إنسانٌ للقتل، فهي لا تشكّك في أنّ هذا العمل الفظيع الذي قامت به جيوش بني اميّة، قامت به جيوش الانحراف ضدّ بقيّة النبوّة، لم يكن عملًا صحيحاً على كلّ المقاييس وبكلّ الاعتبارات.
كان لا بدّ للإمام الحسين (عليه السلام) أن يُدخِل في المعركة دمه وأولاده وأطفاله ونساءه وحريمه وكلَّ الاعتبارات العاطفيّة وكلَّ الاعتبارات التاريخيّة، حتّى الآثار التي كانت قد تبقّت من عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، حتّى العمامة، حتّى السيف .. لبس عمامة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، تقلّد سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله)[2]، أدخل كلّ هذه المثيرات التاريخيّة والعاطفيّة إلى المعركة؛ وذلك لكي يسدّ على أخلاقيّة الهزيمة كلَّ منفذٍ وكلَّ طريقٍ إلى التعبير عن هزيمتها، وعن نوعٍ من أنواع
[1] تقدّم الحديث عن هذه المسألة في آخر المحاضرة السادسة عشرة، وفي المحاضرة الثامنة عشرة.
[2] « فانشدكم الله! هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله وأنا متقلّده؟ قالوا: اللهمّ نعم. قال: فأنشدكم الله! هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟ قالوا: اللهمّ نعم» الأمالي( الصدوق): 159، المجلس 30، الحديث 1.