الامّة حينما تنهزم وتُنتزع منها شخصيّتها وتموت إرادتها تنسج بالتدريج- كما قلنا[1]– أخلاقيّةً معيّنةً تنسجم مع الهزيمة النفسيّة التي تعيشها بوصفها امّة بدون إرادة، امّة لا تشعر بكرامتها وشخصيّتها.
بالرغم من وضوح الطريق وجلاء الأهداف وقدرتها على التمييز المنطقي بين الحقّ والباطل، وبالرغم من أنّ اطروحة معاوية كانت قد تكشّفت كاطروحةٍ جاهليّةٍ في ثوب الإسلام، وأنّ اطروحة عليّ (عليه الصلاة والسلام) كان قد اتّضح أنّها التعبير الأصيل عن الإسلام في معركة ثانية مع الجاهليّة، بالرغم من وضوح كلّ ذلك بعد الهدنة التي أعلنها الإمام الحسن (عليه السلام)، بدأت الامّة- نتيجةً لفقدان إرادتها- تنسج أخلاقيّةً معيّنةً تنسجم مع هزيمتها النفسيّة والروحيّة والأخلاقيّة.
الإمام الحسين (عليه السلام) بين أخلاقيّة الهزيمة وأخلاقيّة الإرادة:
وبهذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) بين أخلاقيّتين: بين أخلاقيّة الهزيمة التي تعيشها الامّة الإسلاميّة قبل أن تُهزم فعليّاً يوم عاشوراء، و [بين] الأخلاقيّة الاخرى التي كان يريد أن يبثّها وأن ينشرها في الامّة الإسلاميّة، أخلاقيّة الإرادة والتضحية والعزيمة والكرامة.
كان الإمام الحسين (عليه السلام) يواجه تلك الأخلاقيّة التي ترسّخت، ورسّخت
[1] في المحاضرة التاسعة عشرة، تحت عنوان: المشهد الثالث، كيف تبرّر الامّة المهزومة هزيمتها. وسيتجدّد الحديث عن ذلك في المحاضرة الحادية والعشرين.