أنّه يتحرّك وهو يعلم أنّه مقتول، يتحرّك وهو يعلم أنّه يستشهد: في المدينة قال للمحتجّين عليه بأنّه[1] سوف يقتل[2]. في مكّة وقف خطيباً يودّع بيت الله الحرام وقال بأنّه سوف يقتل[3]؛ لكي يجعل الامّة تعيش هذه الاسطورة، اسطورة أنّ شخصاً يتقدّم نحو الموت وهو ثابت الجأش، قويُّ القلب، واضح اليقين في أنّ هذا الطريق يريده الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله).
إذاً، فالموت ليس خطراً إذا كان هذا الموت هو طريق إنقاذ المسلمين، هو طريق تخليص الامّة من مؤامرة الجبابرة والطواغيت.
كان يُشيع في نفوس المسلمين أنّ الموت شيءٌ هيّنٌ في سبيل هذه الأهداف الكبيرة .. نعم، أنا سوف أموت .. نعم، أنا سوف اقتل على أيّ حال، سوف اقتل لأنّ هذا طريق واجب، لا بدّ لي أن أسلك هذا الطريق لكي أستطيع بذلك أن اؤدّي الأمانة. هذا من ناحية.
2- عدم الظهور بمظهر من لا يملك تبريراً لحركته:
ومن ناحيةٍ أحكم كلَّ ظروف حركته بشكلٍ لا يبعث في ذهن هذه الامّة المسلمة المائعة أيَّ نقدٍ في أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) استعجل الظروف، أو أنّه استبق أوانه وتحرّك بحركةٍ ابتدائيّةٍ بدون مبرّر، حشد كلّ المبرّرات المنطقيّة والمعقولة لحركته، لم يكن هناك إنسان يمكنه أن يقول: إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد استعجل الموقف قبل أن يتأكّد من الظروف.
كيف يقال: إنّه استعجل الموقف قبل أن يتأكّد من الظروف وقد بقي في مكّة طويلًا والكتب تأتي ولا يجيب عليها، إلى أن اجتمعت عنده آلاف من
[1] متعلّق بالقول، لا بالاحتجاج.
[2] اللهوف على قتلى الطفوف: 64- 65.
[3] « خُطَّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي ..» مثير الأحزان: 41؛ اللهوف على قتلى الطفوف: 60.