لهدفه ولم يكن يعيش لمكاسبه، لم يتردّد لحظةً- وهو في قمّة هذه المآسي والمحن- في صحّة ماضيه، وفي صحّة حاضره، وفي أنّه أدّى دوره الذي كان يجب عليه.
العبرة التي يجب أن نأخذها:
هذه هي العبرة التي يجب أن نأخذها. نحن يجب أن نستشعر دائماً أنّ السعادة في عمل العامل لا تنبع من المكاسب التي تعود إليه نتيجةً لهذا العمل، يجب أن لا نقيّم سعادة العامل على أساس المكاسب التي تعود إلينا نتيجة لهذا العمل؛ لأنّنا لو قيّمناه على هذا الأساس فقد يكون حظّنا كحظّ هذا الإمام من دنياه؛ حيث إنّه بنى إسلاماً، غيّر دنيا، ووجّه امّة، ثمّ بعد هذا انقلبت عليه هذه الامّة لتلعنه على المنابر ألف شهر[1].
نحن يجب أن لا نجعل مقياس سعادة العامل في عمله هو المكاسب والفوائد التي تنجم عن هذا العمل، وإنّما رضا الله سبحانه وتعالى، وإنّما نجعل المقياس حقّانيّة العمل، كون العمل حقّاً، وكفى.
وحينئذٍ سوف نكون سعداء، سواءٌ أثّر عملنا أم لم يؤثّر، سواء قدّر الناس عملنا أم لم يقدّروا، سواء رمونا باللعن أو بالحجارة [أم لم يفعلوا]، على أيّ حالٍ سوف نستقبل الله سبحانه وتعالى ونحن سعداء؛ لأنّنا أدّينا حقّنا
[1] فإنّ أهل الشام« جعلوا لعنَ عليٍّ سُنَّة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير» مروج الذهب 32: 3. و« استفاض لعن عليٍّ( عليه السلام) على المنابر ألف شهر» تذكرة الخواص: 65، أي: 83 سنة ونيّف، ولكنّه مبنيٌّ على التقريب؛ إذ« كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته» شرح نهج البلاغة 44: 11، وعام الجماعة هو عامُ صلح الحسن( عليه السلام)، أي: سنة 41 ه-. وقد استمرّ لعنه( عليه السلام) إلى أن تولّى الأمر عمر بن عبد العزيز لعشر خلون من صفر سنة 99 ه-؛ حيث أمر بتركه، فراجع: تاريخ اليعقوبي 305: 2- 306.