الأوّل.
وليس هذا في الحقيقة عبارةً عن تدرّج في التكوّن في نفس التشيّع كما قد يتخيّل للسالكين غير المرتبطين باصول هذه الاسرة؛ [إذ] لم ينشأ التشيّع بالتدريج ولم يتدرّج؛ لأنّ هذا الشيء الذي اعطي أخيراً هو الذي اعطي أوّلًا لكن على المستوى الخاصّ والضيّق جدّاً .. هذا الشيء الذي كان يعطيه الإمام الباقر على المستوى العام للكتلة كان يعطيه أمير المؤمنين بالنصوص الصحيحة الثابتة عنه، لكن على مستوىً خاصٍّ جدّاً من الكتلة، على مستوى سلمان وأبي ذرّ ونحوهما.
فالتشيّع هو التشيّع، ولكنّ التخطيط الذي مارسه الأئمّة كان يختلف اتّجاهه العامّ وتركيبه وتكوينه وفقاً لمتطلّبات القضيّة الإسلاميّة في كلّ مرحلة.
فالإمام الباقر [يمثّل] بحسب الحقيقة شبهَ بدايةٍ لهذا الدور الثاني، الذي هو دور إعطاء الإطار التفصيلي للفرقة الناجية، وهذا الدور ينتهي بالإمام الرضا؛ لأنّه من خلال أتعاب وجهود هؤلاء الأئمّة: الإمام الباقر ثمّ الإمام الصادق ثمّ الإمام موسى بن جعفر (عليهم السلام)، وخلال إعطاء الإطار بأروع ما يمكن، وفي أدقّ ظروف تُتصوّر بالنسبة إلى الداعية والدعاة، عَظُمَ هذا الإطار واتّضح، وأصبح واضحاً بأنّ المسألة ليست مسألة شخصٍ غيورٍ على الإسلام فحسب، بل هي مسألة عقيدة وكتلة وطريقة خاصّة في تفسير الإسلام، وأنّ هذه الطريقة هي الطريقة التي يجب أن تقود المجتمع الإسلامي كلّه.
3- الدور الثالث: دور الإعداد لتسلّم زمام الحكم:
بعد هذا ننتقل إلى الدور الثالث الذي قرأنا في المجلس السابق شيئاً من مراحله المتوسّطة أو شبه الأوّليّة من حياة الإمام الجواد[1]؛ لأنّ المرحلة الثالثة
[1] أشرنا في أحد هوامش المحاضرة الرابعة إلى ما نحتمله من أنّ المحاضرة التي يقصدها( قدّس سرّه) هنا عن الإمام الجواد( عليه السلام) تختلف عن المحاضرة السادسة والعشرين من هذا الكتاب عنه( عليه السلام)، والمحاضرة المقصودة لم تصلنا.