يكون أثر ذلك أنّه حينما يأمر عبيدالله بن زياد به أن يُقتل فيُقتل، يأتي شخصٌ من أهل الكوفة[1] فيذبحه، يعني يقطع رأسه، فيقال له: لماذا قطعت رأسه؟ يقول: لكي اريحه بذلك[2].
هذه الامّة لا تفكّر إلّا على هذا المستوى من الشفقة في حياتها، الشفقة التي تشعر بها هي الشفقة على هذا المستوى. أمّا الشفقة على الوجود الكلّي، الشفقة على الكيان، الشفقة على العقيدة، هذه الشفقة انتزعت من قلوبها؛ لأنّها شفقة تكلّف ثمناً غالياً.
الشفقة التي لا تكلّف ثمناً هي أن يقطع رقبة هذا الشخص، أن يريحه من هذه الحياة، من الحياة في ظلِّ عبيدالله بن زياد. ولكنّ الشفقة التي تكلّف ثمناً، تلك الشفقة انتزعت من قلوبهم.
هذه المظاهر من البرود والسكون بالرغم من قوّة الإثارة، هذه المظاهر هي دليلٌ على عمق ما وصلت إليه الامّة من انحلال.
المشهد السادس: الاندفاع نحو خطّ السلطة:
إلى جانب ذلك، أو في عكس ذلك: ذلك الاندفاع المحموم نحو خطّ السلطان، نحو خطّ الحكم القائم.
عبيد الله بن زياد استطاع خلال اسبوعين- أو خلال ثلاثة أسابيع على أكثر تقدير- بعد مقتل مسلم بن عقيل[3] إلى أوّل المحرّم أن يجنّد عشرات الالوف من أبناء هذا البلد، الذي كان- ولا يزال إلى ذلك الوقت- يحمل رسالة علي، والولاء لعلي، جنّد من هذا البلد عشرات الآلاف، واستجاب له مئاتٌ من
[1] هو: عبد الملك بن عمير اللخمي.
[2] وردت هذه الزيادة في: أنساب الأشراف 169: 3؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 71: 2.
[3] « كان قتلُ مسلم بن عقيل يوم الثلاثاء، لثلاث خلون من ذي الحجّة سنة ستّين» الأخبار الطوال: 242؛ المنتظم في تاريخ الامم والملوك 328: 5.