يستسلم الرجل ويذوب.
قال المفكّرون: إنّ من لا يملك إرادته تتحرّك يده باتّجاه معاكس لقلبه وعاطفته. لذا رأينا الناس يقتلون الإمام الحسين (عليه السلام) وهم يبكون عليه؛ لشعورهم بأنّ قتلهم إيّاه معناه قتل آخر أمل في الانعتاق من الشقاء والظلم، لكنهّم لم يستطيعوا أن يغيّروا موقفهم فينصروه.
كيف يُمكن أن نكون قتلةً للحسين (عليه السلام)؟
وعلى كلّ حال، فالإمام الحسين (عليه السلام) ليس إنساناً محدوداً بسنة كذا وكذا، بل هو الإسلام ككلّ، أي هو كلّ الأهداف التي ضحّى من أجلها؛ لأنّها روحه وعقله وقلبه وعواطفه.
وإذا كان أهل الكوفة [قد] قتلوا الحسين وهم يبكون، فهناك خطرٌ كبيرٌ [في] أن نصاب بالمحنة نفسها .. أقصد: أن نقتل الحسين ونحن نبكيه، فالبكاء لا يعني أنّنا غير قاتلين للحسين، ولو كان البكاء وحده يعني أنّ الإنسان غير قاتل للحسين لبُرّئ عمر بن سعد؛ لأنّه بكى الحسين بنفسه بكاءً مرّاً[1].
في موكب السبايا حينما مرّت العقيلة زينب (عليها السلام) على الضحايا التفتت إلى أخيها، اتّجهت إلى جدّها الرسول تستنجده مخبرةً عن جثمان الإمام الحسين (عليه السلام) تسفيه الرياح، عن السبايا و [هنّ مشتّتات]، عن الأطفال عطشى وهم مقيّدون، حينما أخبرت جدّها بكلّ ذلك ضجّ القتلة كلّهم بالبكاء[2]، بكى السفّاكون، بكى
[1] تقدّمت الإشارة إلى ذلك في المحاضرة السابعة عشرة- تحت عنوان: مبرّرات الإمام الحسين( عليه السلام) في اختيار الموقف الرابع، الموقف الثاني. وفي المحاضرة التاسعة عشرة، تحت عنوان: قاتلُ الحسين( عليه السلام) هو قاتل أهدافه والبكاء عليه غير كافٍ. وربما تستفاد مرارة بكاء ابن سعد من قول الراوي:« فكأنّي أنظر الى دموع عمر وهي تسيل على خدّيه ولحيته» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 452: 5.
[2] « فأبكت كلَّ عدوٍّ وولي» أنساب الأشراف 206: 3؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 456: 5.