جديدٍ يختلف عن الوضع المنحرف القائم بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله).
رفض الإمام عليّ (عليه السلام) الخلافة أوّل الأمر:
لأجل هذا امتنع عن قبول الخلافة في أوّل الأمر، وقال لهم بأنّه: «فكّروا في غيري، واتركوني وزيراً لمن تستخلفون، فأنا لكم وزير خيرٌ منّي أمير»[1]، يعني: على مستوى حياة الدعة والكسل، على مستوى حياة الرخاء واليسر، على مستوى الحياة الفارغة من المسؤوليّة، على مستوى هذه الحياة أنا وزيرٌ خيرٌ منّي أمير؛ لأنّي حينما أكون أميراً سوف ارهقكم، سوف اتعبكم، سوف أفتح أمامكم أبواب مسؤوليّاتٍ كبرى، و [أحقن] في قلوبكم الهمومَ الكبيرة، التي تجعل ليلكم نهاراً وتجعل نهاركم ليلًا، هذه الهموم التي تجعلكم دائماً وأبداً تعيشون مشاكل الامّة في كلّ أرجاء العالم الإسلامي، هذه الهموم التي سوف تدفعكم إلى حمل السلاح- من دون حاجةٍ مادّيّة- لأجل تطهير الأرض الإسلاميّة من الانحراف الذي قام عليها.
اتركوني وزيراً [أَكُن] أفضل لكم على مستوى هذه الحياة منّي وأنا أمير؛ لأنّي كوزيرٍ لا أملك أن أرسم الخطّ، لا أملك أن أضع المنهج والمخطّط، وإنّما اسدّد وأنصح واشير، وحينئذٍ يبقى الوضع الذي كان بعد وفاة النبي مستمرّاً.
قالوا له، أصرّوا عليه بأن يقبل أن يكون خليفة، فرض عليهم الشروط، قبلوا هذه الشروط إجمالًا دون أن يفسِّر، ودون أن يوضّح، وإنّما أعطاهم- بنحو الإجمال[2]– فكرةً عن أنّ عهده هو عهد منهجٍ جديدٍ في العمل السياسي والاجتماعي والإداري[3]، فقبلوا هذا العهد، وكان هذا سبباً في أن
[1] « وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم منّي أميراً» نهج البلاغة: 136، الخطبة 92.
[2] في المحاضرة الصوتيّة: الجملةُ الاعتراضيّة متقدّمة على قوله( قدّس سرّه)« أعطاهم».
[3] ولهذا قال عمر بن الخطّاب لعليٍّ( عليه السلام) في قضيّة الشورى السداسيّة:« لله أنت لولا دعابة فيك. أما والله، لئن ولّيتهم لتحملنّهم على الحق الواضح والمحجّة البيضاء» شرح نهج البلاغة 186: 1. وقال( عليه السلام) للقوم قبل البيعة:« واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم اصغِ إلى قول القائل وعتْب العاتب» نهج البلاغة: 136، الخطبة 92، وقال لهم بعدها:« أيّها الناس! بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنّما الخيار قبل أن تقع البيعة، فإذا وقعت فلا خيار» الأخبار الطوال: 140.