بعد استشهاد أبيه، فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأوّل، في مرحلة من أدقّ المراحل التي مرّت بها الامّة وقتئذٍ، وهي المرحلة التي أعقبت موجة الفتوح الاولى؛ فقد امتدّت هذه الموجة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي، فزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة، وضمّت شعوباً مختلفة وبلاداً واسعة إلى الدعوة الجديدة، وأصبح المسلمون قادةَ الجزء الأعظم من العالم المتمدّن وقتئذٍ خلال نصف قرن.
مواجهة الإمام السجّاد (عليه السلام) الخطرين المحدقين بالامّة الإسلاميّة:
وعلى الرغم من أنّ هذه القيادة جعلت من المسلمين قوّةً كبرى على الصعيد العالمي من الناحية السياسيّة والعسكريّة، فإنّها عرّضتهم لخَطَرَين كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري، وكان لا بدّ من البدء بعمل حاسم للوقوف في وجههما:
أحدهما: الخطر الذي نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوّعة وأعراف تشريعيّة وأوضاع اجتماعيّة مختلفة بحكم تفاعلهم مع الشعوب التي دخلت في دين الله أفواجاً.
وكان لا بدّ من عملٍ على الصعيد العلمي يؤكّد في المسلمين أصالتهم الفكريّة، وشخصيّتهم التشريعيّة المتميّزة المستمدّة من الكتاب والسنّة. وكان لا بدّ من حركة فكريّة اجتهاديّة تفتح آفاقهم الذهنيّة ضمن ذلك الإطار؛ لكي يستطيعوا أن يحملوا مشعل الكتاب والسنّة بروح المجتهد البصير والممارس الذكي، الذي يستطيع أن يستنبط منها ما يفيده في كلّ ما يستجدّ له من حالات.
كان لا بدّ إذاً من تأصيلٍ للشخصيّة الإسلاميّة، ومن زرع بذور الاجتهاد، وهذا ما قام به الإمام عليُّ بن الحسين (عليه السلام)؛ فقد بدأ حلقةً من البحث والدرس في مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، يحدّث الناس بصنوف المعرفة الإسلاميّة، من تفسير