الرسالة، كانوا قد غضّوا النظر عن كلّ الاعتبارات الخاصّة في سبيل حماية كيان الإسلام، وفي سبيل إعادة مجد المجتمع الإسلامي ووحدة المجتمع الإسلامي، أين اولئك؟!
كان إذا التفت يمنةً أو يسرةً لا يجد إلّا شخصاً يفكّر في أبٍ له قتيل، أو في ابنٍ له- طفلٍ صغير- كيف يتركه؟ أو في زوجة كيف يرمّلها؟
أصبح هؤلاء الذين كانوا يفكّرون في الهموم الكبيرة، أصبحوا يفكّرون في الهموم الصغيرة، أصبحوا يفكّرون في قضاياهم.
الامّة وقائدها شريكان في الامتحان العصيب:
يجب أن لا نعتب عليهم، فنحن أسوأ منهم؛ لأنّنا لم نرتفع لحظةً هكذا ثمّ نهبط، هؤلاء ارتفعوا لحظةً ثمّ هبطوا، هؤلاء خرجوا من بلادهم وطلّقوا نساءهم وأطفالهم وأموالهم في سبيل الله تعالى، وفي سبيل قضيّةٍ لا تدرّ عليهم ربحاً ماديّاً على الإطلاق، هؤلاء فعلوا هذا ساعةً من الزمان ثمّ أدركهم الشيطان.
أمّا نحن، لا ندري إذا وقفنا مثل هذا الموقف: هل نفعل ولو ساعة؟! هل نطير ولو لحظة؟! أو أنّنا سوف نبقى في الحضيض؟!
على أيّ حالٍ هؤلاء كانوا [بشراً]، لم يكونوا كعمّار بن ياسر، هؤلاء بدأ الشكّ يتسرّب إلى نفوسهم[1]، بدؤوا يشكّون في هذا الإمام الصالح حتّى تمنّى الموت[2]؛ لأنّه أصبح يحسّ أنّه انقطعت صلته الروحيّة بهؤلاء، أنّه أصبح
[1] وقد قال عثمان بن حنيف في قضيّة التحكيم:« إنّا والله ما عدلنا الحيَّ بالحي، ولا القتيل بالقتيل، ولا الشامي بالعراقي، ولا معاوية بعليٍّ، وإنّه لأمرٌ منعُه غير نافع، وإعطاؤه غير ضائر، وقد كلّت البصائر التي كنّا نقاتل بها، وقد حمل الشكّ اليقين الذي كنّا نؤول إليه، وذهب الحياء الذي كنّا نماري به»، وقال صعصع بن صوحان:« قد كلّت البصائر وذهب الصبر» الإمامة والسياسة 140- 142، وقال الأشعث بن قيس:« وكلّت البصائر» مروج الذهب 390: 2.
[2] الظاهر- بقرينة ما يأتي منه( قدّس سرّه) في المحاضرة الثانية عشرة، تحت عنوان: المقارنة بين عصرنا وبين عصر سيّد الشهداء( عليه السلام)- أنّه يقصد قول أمير المؤمنين( عليه السلام) في خطبة الجهاد:« فلو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً» نهج البلاغة: 69، الخطبة 27.