وهو أنّ القصّة قصّة زعامة علي ومعاوية: ما بالنا وعليٌّ ومعاوية، إمّا هذا يكون زعيماً وإمّا ذاك يكون زعيماً، نحن نقف على التلّ ونتفرّج، فإمّا أن يتمّ الأمر لهذا وإمّا أن يتمَّ الأمر لذاك.
هذا التفسير بدت بداياته في ذهن الناس، وهذا التفسير الذي أوحت به مصلحةُ هؤلاء إلى هؤلاء هو الذي كان يشكّل عقبةً كؤوداً دون أن يتحرّك هؤلاء من جديد إلى خطّ الجهاد.
هذا التفسير هو الذي جعل أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يبكي وهو على المنبر وينعى أصحابه الذين ذهبوا، اولئك الذين لم يشكّوا فيه لحظة، اولئك الذين آمنوا به إلى آخر لحظة، اولئك الذين كانوا ينظرون إليه كامتدادٍ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، كان يبكي [عمّاراً] وأمثال عمّار[1].
هذا عمّار الذي وقف بين الصفّين، ووضع سيفه على بطنه، وقال: «والله أنت تعلم لو كان رضاك في أن اغمد سيفي هذا في بطني حتّى اخرجه من ظهري لفعلت. والله! إنّك تعلم أنّي لا أعلم لك رضاً إلّا في قتال هؤلاء المارقين المنحرفين»[2].
كان يبكي أمثال عمّار؛ لأنّ [عمّاراً] وأمثال عمّار كانوا قد ارتفعوا [عن] مستوى هذه الشكوك، كانوا قد طلّقوا مصالحهم الشخصيّة في سبيل مصلحة
[1] لعلّه( قدّس سرّه) قصد من بكائه( عليه السلام) من على المنبر بكاءه( عليه السلام) مالكاً الأشتر، الذي نعاه من على المنبر مشيراً إلى شدّة يقينه وعدم شكّه بقوله:« لو كان حجراً لكان صلداً، ولو كان جبلًا لكان فنداً» الاختصاص: 81. وانظر حول بكاء عليٍّ( عليه السلام) عمّاراً يوم صفّين: كفاية الأثر: 122.
[2] قال عمّار:« اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت. اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك أن أضع ظبّة سيفي في بطني ثمّ أنحنى عليها حتّى يخرج من ظهري لفعلت. اللهمّ وإنّي أعلم ممّا أعلمتني أنّي لا أعمل اليوم عملًا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم عملًا أرضى لك منه لفعلته« وقعة صفّين: 320؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 38: 5؛ الفتوح 158: 3.