الاستقرار، فإذا وضعت أمامه المهام الكبيرة، حينئذٍ إذا وجد مجالًا للشكّ في صحّة هذه المهام فسوف يكون عنده دافعٌ نفسيٌّ مسبقٌ إلى أن يشكّ، يشكّ لأجل أنّه يريد أن يشكّ، ويشكّ لأجل أنّ من مصلحته أن يشكّ.
وهذا كان موجوداً على عهد الإمام (عليه الصلاة والسلام).
العراقيّون قدّموا من التضحيات الشيءَ الكثير، بذلوا أموالهم ونفوسهم ودماءهم في حروب ثلاثة، بذلوا هذه الدماء، وبذلوا هذه الأموال، وبذلوا هذه النفوس .. آلافٌ من العراقيين ماتوا وقتلوا، عشرات الآلاف من الأطفال ايتموا، آلاف من النساء أصبحن أرامل، آلاف من البيوت والعوائل تهدّمت، كثيرٌ من المدن والقرى غارت عليها جيوش معاوية فنسفتها وحطّمتها، كثيرٌ من هذه المآسي والويلات، كثيرٌ من ألوان الدمار والخراب حلَّ بهؤلاء المسلمين، نتيجةً لماذا؟ ولأجل ماذا؟!
لأجل أن يزداد مالهم؟ لا؛ فإنّ أهل الشام لم يسرقوا منهم شيئاً.
لأجل أن يزداد جاههم؟ لا؛ فإنّهم لا يشعرون بأنّ أهل الشام سرقوا من جاههم شيئاً.
وإنّما لحساب الرسالة، لحساب الخطّ، لحساب المجتمع الإسلامي وتوحيد كلمة المسلمين، لهذا الحساب، لأجل هذا الهدف الكبير. وهذا هدف كبير، هو أعزُّ من كلّ النفوس، وأعزُّ من كلّ الدماء، وأعزُّ من كلّ الأموال.
لكن نحن يجب أن نقدّر موقف هؤلاء، هؤلاء ضحّوا وبذلوا وقدّموا، ثمّ أصبحوا يشكّكون لأنّ من مصلحتهم أن يشكّكوا، وأصبح أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يحاول أن يدفعهم فلا يندفعون، ويحرّكهم فلا يتحرّكون[1]، لماذا؟! لأنّ من مصلحتهم أن يتصوّروا المعركة بتصوّرٍ جديد، أن يعطوا للمعركة مفهوماً جديداً،
[1] قال( عليه السلام):« كلّما أطلّ عليكم مَنسِرٌ من مناسر أهل الشام أغلق كلُّ رجل منكم بابه، وانجحر انجحار الضبّة في جحرها، والضبع في وِجارها، الذليلُ» نهج البلاغة: 90، الخطبة 69.