معاوية بنأبي سفيان، وهذا هو الذي جعله لا يعلن عزمه على الحرب منذ اللحظة الاولى.
جاءه بعض خواصّه، طلبوا منه الإعلان السريع عن الحرب، والسفر السريع إلى ميدان القتال قبل أن يتقدّم معاوية، وقبل أن يخرج معاوية من بلاده. إلّا أنّه (عليه الصلاة والسلام) رفض ذلك[1]، وكان رفضه مرتبطاً- على ما أظنّ- ارتباطاً وثيقاً بالظروف النفسيّة التي يعيشها المجتمع الإسلامي الذي يحكمه وقتئذٍ.
كانت هذه الظروف النفسيّة بحاجة إلى علاج أكثر ممّا هي بحاجة إلى حرب، بحاجة إلى توعية أكثر ممّا هي بحاجةٍ إلى قتال، بحاجة إلى إعطاء فرصة جديدة لكي يدرسوا من جديد الاطروحةَ ونبلَها وأهدافَها وخيراتِها وبركاتِها قبل أن يكلَّفوا بقتال جديد. ولهذا تمهَّل [الإمام الحسن (عليه السلام)] وتريّث في موضوع القتال، إلّا أنّ معاوية بن أبي سفيان لم يتمهّل ولم يتريّث.
معاوية يدخل الحرب ولا يوفّر خياراته الاخرى:
معاوية بن أبي سفيان بعد مقتل الإمام [علي] (عليه الصلاة والسلام) بشهرٍ أو أقلّ أو شهرين أو ثلاثة- على اختلاف التقادير في الروايات[2]– خرج مع جيشٍ ليغزو العراق.
معاوية بن أبي سفيان طبعاً كان يقدّر- بفهمه للظروف وقتئذٍ- أنّ الظروف مؤاتية- باعتبار ما خلّفه الإمام علي من فراغات سياسيّة ونفسيّة وفكريّة-
[1] « وإذا بكتاب عبدالله بن عبّاس قد ورد عليه من البصرة وإذا فيه: لعبد الله الحسن أمير المؤمنين من عبدالله بن عبّاس: أمّا بعد، يا ابن رسول الله! فإنّ المسلمين ولّوك أمرهم بعد أبيك رضي الله عنه، وقد أنكروا أمر قعودك عن معاوية وطلبك لحقّك، فشمّر للحرب وجاهد عدوّك» الفتوح 283: 4؛« قال جندب: .. قلت له: إنّ الرجل سائرٌ إليك، فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في أرضه وبلاده وعمله» مقاتل الطالبيّين: 68.
[2] « وأقام الحسن بن علي بعد أبيه شهرين، وقيل: أربعة أشهر … وأقبل معاوية لمّا انتهى إليه الخبر بقتل علي، فسار إلى الموصل بعد قتل علي بثمانية عشر يوماً» تاريخ اليعقوبي 214: 2.