عليٌّ في بناء دولته؛ لأنّ أيّ دولة عقائديّة- كما قلنا في ما سبق[1]– هي بحاجة إلى طليعة عقائديّة تستشعر بشكلٍ واعٍ ومعمَّق ومرسَّخ أهدافَ تلك الدولة، وواقع أهميّتها، وضرورتها التاريخيّة.
ولهذا كان لا بدّ من الحفاظ على صفاء وطُهر عمليّة التربية لبناء هذا الجيش العقائدي، كان لا بدّ لآلافٍ من [أمثال] مالك الأشتر أن يشهدوا إنساناً لا تزعزعه المغريات، ولا يتنازل إلى أيّ نوعٍ من أنواع المساومات؛ حتّى يستطيعوا- من خلال حياة هذا الرجل العظيم- أن يتبيّنوا المدلول الرسالي الكامل لُاطروحته، [وللأبعاد الواسعة][2] للصيغة الإسلاميّة للحياة.
إذاً، فكان على عليٍّ (عليه الصلاة والسلام)- لأجل ممارسة عمليّة التربية في بناء هذا الجيش العقائدي- أن يترفّع عن هذه المساومات والحلول الوسط؛ لكي يستطيع أن يخلق ذلك الجوّ الرفيع نفسيّاً وفكريّاً وروحيّاً، الذي سوف ينشأ في داخله وفي أعماقه جيلٌ يستطيع أن يحتضن أهداف أمير المؤمنين ويضحّي في سبيلها، ويواكب هذه الأهداف في حياته وبعد وفاته.
النقطة الثانية: استلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الحكم حال ارتفاع عواطف الامّة:
وثانياً: لا بدّ من الالتفات أيضاً إلى أنّ أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) جاء في أعقاب ثورةٍ، لم يجئ في حالة اعتياديّة، وإنّما جاء في أعقاب ثورة. ومعنى أنّه جاء في أعقاب ثورةٍ: أنّ البقيّة الباقية من العواطف الإسلاميّة قد تفجّرت في لحظة ارتفاع.
هذه العواطف- كلّ هذه العواطف- تجمّعت، ثمّ ضُغِطَت، ثمّ انفجرت في لحظة ارتفاع. وماذا ينتظر القائد الرسالي غير لحظة ارتفاع في حياة امّة
[1] في مطلع الحديث عن النقطة الاولى.
[2] ما بين عضادتين ساقطٌ من المحاضرة الصوتيّة، وفي( ف):« لُاطروحة الأبعاد الواسعة»، وفي( غ):« ولأبعادها الواسعة»، ولعلَّ الأنسب ما أثبتناه.