روحيّة أبي ذر، أو يكتسب روحيّة عمّار بن ياسر.
إنّ روحيّة أبي ذر أو روحيّة عمّار بن ياسر روحيّة الجيش العقائدي الواعي، البصير بأنّ المعركة ليست للذات، وإنّما هي للأهداف الكبيرة، التي هي أكبر من الذات.
هذه الروحيّة لا يمكن أن تنمو، ولا يمكن لعليّ (عليه الصلاة والسلام) أن يخلقها في من حوله، في حاشيته، في أنصاره، في قواعده الشعبيّة، لا يُمكن أن يخلقها في جوٍّ من المساومات وأنصاف الحلول حتّى لو كانت جائزة. إنّ جوازها لا يغيّر من مدلولها التربوي شيئاً، ولا من دورها في تكوين نفسيّة هذا الشخص بأيّ شكلٍ من الأشكال.
إذاً، فالإمام علي (عليه الصلاة والسلام) كان أمامه حاجةٌ ملحّةٌ حقيقيّةٌ- في بناء دولته- إلى قاعدةٍ شعبيةٍ واعيةٍ يعتمد عليها في ترسيخ الأهداف في النطاق الأوسع. وهذه القاعدة الشعبيّة لم تكن جاهزة له حينما تسلّم زمام الحكم حتّى يستطيع أن يتّفق معها على أنّ هذه المساومات وعلى أنّ أنصاف الحلول هنا ضروراتٌ استثنائيّة لا توجب الانحراف عن ذلك الخطّ، إنّما كان على عليٍّ أن يبني هذا الجيش العقائدي، كان على عليٍّ أن ينتزع الخيِّرَ الخيِّر، الطيّبَ الطيّب من جماعته وحاشيته العراقيّين؛ لكي يُكتّل منهم كتلةً واعيةً من قبيل مالك الأشتر وغيره.
وهؤلاء لم يكن بالإمكان ممارسة بناءٍ نفسيٍّ وروحيٍّ وفكريٍّ وعاطفيٍّ حقيقيٍّ لهم في جوٍّ مليءٍ بالمساومات وأنصاف الحلول. كانت المساومات وأنصاف الحلول نكسةً بالنسبة إلى عمليّة التربية لهذا الجيش العقائدي، وكان فقدان هذا الجيش العقائدي معناه فقدان القوّة الحقيقيّة التي يعتمد عليها الإمام