كافية للاقتناع بحقّانيّة هذا الخطّ الذي كان يمثّله الإمام الجواد (عليه الصلاة والسلام)؛ إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخر غير فرض الإمامة الواقعيّة في شخصٍ لا يزيد عمره عن سبع سنين ويتولّى زعامة هذه الطائفة في كلّ المجالات الروحيّة والفكريّة والفقهيّة والدينيّة؟!
1- الافتراض الأوّل: الإمامة الواقعيّة للإمام الجواد (عليه السلام):
في هذا الموضوع لا مجال لافتراض أنّ الطائفة لم يتكشّف لها بوضوح هذا الصبي؛ لأنّ زعامة الإمام في أهل البيت لم تكن زعامةً محوط- ةً بالشرطة والجيش وابّهة الملك والسلطان [التي] تحجب بين الزعيم ورعيّته، ولم تكن زعامةَ دعوةٍ سرّيةٍ من قبيل الدعوات الصوفيّة أو الفاطميّة[1] التي تحجب بين رأس الدعوة وبين قواعد هذه الدعوة لكي يُفترض أنّ هذا الرأس كان محجوباً عن رعيّته مع إيمان الرعيّة به.
إمام أهل البيت كان مكشوفاً أمام الطائفة، وكانت الطائفة بكلّ طبقاتها تتفاعل معه مباشرةً في مسائلها الدينيّة، في قضاياها الروحيّة والأخلاقيّة، والإمام الجواد (عليه الصلاة والسلام) نفسه أصرّ على المأمون حينما استقدمه إلى بغداد في أن يسمح له بالرجوع إلى المدينة، وسمح له بالرجوع إليها، ورجع إلى المدينة وقضى بقيّة عمره أو أكثر عمره فيها[2].
إذاً، فقد قضى الإمام الجواد (عليه الصلاة والسلام) أكثر عمره- أو كلّ عمره- وهو على
[1] كذا في( ح) و( غ)، ويحتمل أن يكون الصادر منه( قدّس سرّه):« الباطنيّة»، وبكليهما يستقيم المعنى، فراجع: الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطميّة: 265.
[2] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 281: 2؛ كشف الغمّة في معرفة الأئمّة( عليهم السلام) 370: 2؛ مناقب آل أبي طالب 379: 4؛ حيث رجع( عليه السلام) بعد زواجه من ام الفضل بنت المأمون إلى المدينة، ولم يزل بها حتى أشخصه المعتصم إلى بغداد في أوّل سنة عشرين ومائتين، فأقام بها حتّى توفّي في آخر ذي القعدة من السنة.