بينهم وبين الإسلام، وهو الذي عن طريقه وصلت الشريعة إليهم.
ولذا، كانت نظرة أهل الشام ورجالاته إلى معاوية تختلف عن نظرة رجال أمير المؤمنين (عليه السلام) ورجال المدينة والعراق إلى أمير المؤمنين (عليه السلام). وهذا الاختلاف في النظرة أوجد في حياة الإمام (عليه السلام) تناقضاً ومَثاراً من الآراء والاجتهادات المتضاربة، وامتناعاً- في كثيرٍ من الأحيان- عن قبول رأي أمير المؤمنين (عليه السلام)، بينما كان أهل الشام يلقَون معاوية بالطاعة الكاملة والخضوع الأعمى[1].
النقطة الرابعة: الاختلاف بين الدعويين على مستوى الوعي والحسّ:
والنقطة التي لا بدّ من الالتفات إليها في المقام هي أنّ دعوى الإمام (عليه السلام) في معاوية لم تكن على مستوى الحسّ، بل كانت على مستوى الوعي، والواعون لم يكونوا جميع المسلمين. وأمّا دعوى معاوية في عليٍّ (عليه السلام) فقد صوّرها وكأنّها على مستوى الحسّ، والناس كلّهم يعيشون الحسّ:
أ- عليّ (عليه السلام) كان يقول بأنّ معاوية لا يمثّل خطّاً من خطوط الإسلام، بل يمثّل جاهليّةَ أبيه وجدّه. معاوية يريد أن يقضي على الكيان الإسلامي، ويريد أن يحوّل المجتمع الإسلامي إلى مجتمعٍ آخر لا يؤمن بالإسلام وبالقرآن، بل يؤمن بالقيصريّة والكسرويّة.
هذا هو مدّعى الإمام عليٍّ (عليه السلام) في معاوية.
ب- ومدّعى معاوية في الإمام (عليه السلام): أنّ الإمام قد هيّج الناس على عثمان وعلى الشريعة الحاكمة وقتئذٍ؛ لأنّ أصحابه وأهله هم طليعة الثوّار على عثمان، وأنّ عليّاً- عن طريق هؤلاء الأصحاب والطلائع الواعية- قتل
[1] حتّى قال معاوية لرجلٍ كوفي:« أبلغ عليّاً أنّي اقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرّق بين الناقة والجمل». وأضاف المسعودي:« وقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنّه صلّى بهم عند مسيرهم إلى صفّين الجمعة في يوم الأربعاء»، فراجع: مروج الذهب 32: 3.