هذا الانحراف، اللهمّ إلّا على يد رجلٍ واحدٍ كعليّ بن أبي طالب.
ولهذا كانت حادثة اغتيال هذا الإمام العظيم- حينما خرّ صريعاً في مثل صبيحة اليوم الآتي- تقويضاً حقيقيّاً لآخر أملٍ حقيقيٍّ في قيام مجتمعٍ إسلاميٍّ صحيحٍ على وجه الأرض إلى يومٍ غير معلوم، وإلى أجلٍ غير محدود.
كان هذا الاغتيال المشؤوم عقيب حكمٍ مارسه الإمام (عليه الصلاة والسلام) طيلة خمس سنواتٍ تقريباً، أو بين الأربع والخمس سنوات[1].
وهذه الأربع أو الخمس سنوات التي مارس (عليه الصلاة والسلام) فيها الحكم، بدأ منذ اللحظة الاولى من حين تسلَّمَ زمام الحكم في عمليّة التغيير الحقيقيّة في كيان هذه التجربة المنحرفة، وواصل سعيه في سبيل إنجاح عمليّة التغيير.
واستشهد وخرّ صريعاً في المسجد وهو في قمّة هذه المحاولة، أو في آخر محاولةٍ من محاولات عمليّة التغيير، وتصفية الانحراف الذي كان قد ترسّخ في جسم المجتمع الإسلامي متمثّلًا في معسكرٍ منفصلٍ عن الدولة الإسلامية الامّ[2].
ظاهرة رفض المساومات وأنصاف الحلول:
والظاهرة الواضحة في هذه الأربع سنوات التي مارس فيها الإمام (عليه الصلاة والسلام) تسلُّمَ زمام الحكم هي أنّ الإمام (عليه الصلاة والسلام) منذ بدأ تسلُّمَ زمام الحكم إلى أن خرَّ صريعاً في سبيل إقامة عدل الله على الأرض كان غير مستعدٍّ- بأيّ شكلٍ من الأشكال، وفي أيّ صيغةٍ من الصيغ- لتقبّل أنصاف الحلول بالنسبة إلى تصفية
[1] بويع( عليه السلام) يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجّة سنة 35 ه-، واستشهد في 21 من شهر رمضان سنة 40 ه-، فراجع: تاريخ الامم والملوك( الطبري) 436: 4؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 8: 1.
[2] « فلمّا ذاق معاوية أهل الشام وعرف مبايعتهم له قال لجرير: الحق بصاحبك، وأعلمه أنّي وأهل الشام لا نجيبه إلى البيعة» الأخبار الطوال: 160.