العامل الثاني: نظرة الامّة إلى كيان الحسن (عليه السلام) بوصفه الكيان الطارئ:
إنّ الإمام الحسن (عليه السلام) حينما تسلّم مقاليد الحكم كان هناك كيانٌ سياسيٌّ قائمٌ يحكم في العالم الإسلامي، وهذا الكيان يتمثّل في حكم الشام الذي كان يقوده معاوية.
كان هناك كيانان سياسيّان حاكمان في العالم الإسلامي:
أحدهما: يقوده الإمام الحسن (عليه السلام).
والآخر: يقوده معاوية.
وهذا الكيان الذي يقوده معاوية اكتسب في نظر معاوية وأهل الشام شرعيّة ثوب الخلافة بعد التحكيم في أعقاب معركة صفّين. ولهذا أخذ معاوية يعيش مع قاعدته كما يعيش الخليفة مع رعيّته.
والإمام علي (عليه السلام) كان استمراريّة لوجودٍ سياسيٍّ أسبق وخلافة شرعيّة أسبق زمنيّاً من هذا الكيان السياسي القائم بالشام.
لكن بعد أن خلا الميدان من الإمام علي (عليه السلام) وجاء الحسن (عليه السلام) يتسلّم مقاليد الحكم، كان في الذهنيّة العامّة والتصوّر العام للإنسان العادي المسلم بأنّ هناك شيئاً يملأ الفراغ إلى حدّ ما، فلا بدّ من التفكير من جديد؛ لأنّه من اللازم بناء كيانٍ سياسيٍّ جديد، أو الالتحاق بهذا الكيان القائم[1].
مثل هذا التفكير لم يكن موجوداً في أيّام الإمام علي (عليه السلام)، بل إن
[1] يقصد( قدّس سرّه): أنّه عند مجيء الإمام الحسن( عليه السلام)، كان كيان معاوية السياسي- بنظر المسلم العادي غير الواعي- يملأ فراغ الحكم إلى حدٍّ ما ويفي بالغرض الذي يتصوّره. وقد جعل بروز الإمام الحسن( عليه السلام) على المسرح هذا المسلمَ العادي يعيد التفكير في مستلزمات الاستجابة له( عليه السلام)؛ لأنّ الاستجابة تستلزم بناء كيانٍ جديد، بينما كان هذا المسلم العادي وغير الواعي يملك خياراً آخر أقلّ كلفة بالنسبة له، يتمثّل بالالتحاق بكيان معاوية القائم قبل كيان الحسن( عليه السلام). ومن هنا نشأت حالة الشكّ في ضرورة الالتحاق بركب الحسن( عليه السلام).