مشاهد من أخلاقيّة الهزيمة:
انظروا معي لطفاً!
أ- هؤلاء ستّة من زعماء البصرة من الذين كانوا [قد] ارتبطوا بمدرسة الإمام علي (عليه السلام) ويشعرون بالولاء لمفاهيمها ولأهدافها كتب إليهم الحسين رسالة يستصرخهم فيها، مذكّراً بالخطر الذي يواجهه الإسلام، متمثّلًا بدكتاتوريّة [الامويّة] الإرهابيّة، فماذا كان ردّ الفعل [على] تلك الرسالة؟
لقد كان ردّ الفعل خيانة خمسة بكلّ معنى الخيانة، واستجابة شخص واحد هو [يزيد][1] بن مسعود النهشلي[2].
صدّقوا أنّ هؤلاء الذين خانوا لم يحبّوا الامويّين ولم يؤمنوا بخطّهم، بل كانوا علويّين فقدوا كلّ مضمونهم عندما فقدوا إرادتهم. وخيانة هؤلاء الزعماء أو برودهم تعبيرٌ صادقٌ عن أخلاقيّة الامّة المهزومة؛ فإنّ الامّة حالَ تعرّضها للهزيمة النفسيّة وفي حالة فقدانها لإرادتها وعدم شعورها بوجودها كامّة تنشأ لديها تدريجيّاً أخلاقيّة معيّنة هي أخلاقيّة الهزيمة، وأخلاقيّة هذه الهزيمة تصبح قوّة كبيرة جدّاً بيد صانعي هذه الهزيمة لإبقاء هذه الهزيمة وتعميقها وتوسيعها، فيصبح الإقدام تهوّراً، ويصبح الاهتمام بما يقع على الإسلام والمسلمين من مصائب ومحن نوعاً من اللاعقلانيّة.
وأخلاقيّة الهزيمة هذه تصطنعها الامّة لتسوّغ الهزيمة، وتشعر بأنّها قد انتهت مقاومتها وقرئت عليها الفاتحة، فتنسج مفاهيم جديدة غير مفاهيمها الاولى، وتتبنّى قيماً وأهدافاً غير التي كانت تتبنّاها، أو لكي تبرّر موقفها أخلاقيّا
[1] في النسخة الخطيّة:« عبدالله»، والصحيح ما أثبتناه.
[2] مثير الأحزان: 27؛ اللهوف على قتلى الطفوف: 37. وقد تقدّم التعليق على المسألة في المحاضرة التاسعة عشرة، تحت عنوان: مشاهد موت الإرادة في المجتمع الحسيني، المشهد الثالث.