عرض آخرَ حلقة منه يوم عاشوراء المجيد. وإذا كان مقدّراً أن يكون علاج هذه الظاهرة هو التضحية، فإنّ التضحية يجب أن تكون عميقة عمقَ المرض في جسم الامّة، واسعةً وسعَهُ في كيانها[1].
عندما اتّجه الحسين إلى العراق لاستلام مسؤوليّاته العظيمة باعتباره ثائراً على الاحتلال الجاهلي الرجعي، تلقّى (عليه السلام) سيلًا من النصائح ممّن يسمَّون يومئذٍ «عقلاء المسلمين»، الذين يبغضون التهوّر، [والذين] أجمعوا على أنّ تصرّفه (عليه السلام) ليس تصرّفاً طبيعيّاً، فخوّفوه بالموت، وحدّثوه عن النتائج التي جناها الإمام علي والإمام الحسن في صراعهما الساخن ضدّ الامويّين، ومنّوه بالسلامة.
اولئك الناصحون- وهم أهل الحلّ والعقد في المجتمع- لا يتصوّرون التضحية إلّا كتصوّر الطفل للبحر، وكانت نصائحهم ترسم لوحة الانهيار النفسي العميق الذي شمل زعماء المسلمين، كعبدالله بن عبّاس[2] وعبد الله بن عمر[3] وعبد الله بن جعفر[4]، فضلًا عن الجماهير التي كانت تعيش الانهيار مضاعفاً في سلوكها وقِيَمها.
لقد واجهت الحسينَ هذه السلبيةُ المطلقة برغم التوقان للخلاص، وبرغم تمتّع الثائر العظيم بكلّ معاني المنقذ، قدرةً وإخلاصاً وتصميماً ..[5]
[1] تقدّمت الإشارة إلى ذلك في المحاضرة التاسعة عشرة، تحت عنوان: مشاهد موت الإرادة في المجتمع الحسيني.
[2] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 383: 5؛ الفتوح 66: 5؛ الكامل في التاريخ 39: 4.
[3] الفتوح 23: 5؛ مقتل الحسين( عليه السلام)( الخوارزمي) 278: 1.
[4] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 387: 5؛ الفتوح 67: 5؛ الكامل في التاريخ 40: 4. وإلى جانب هؤلاء الثلاثة هناك آخرون ذكرهم الشهيد الصدر( قدّس سرّه) في المحاضرة السادسة عشرة، فراجع.
[5] هنا كلمتان على الهامش لم نتبيَّن موقعهما في الجملة.