نجحت هذه المؤامرة، وبعد أن تنازلت الامّة عبر هذه المؤامرة عن وجودها وعن شخصيّتها، مُنيت- بمرضٍ آخر أدهى وأمرّ. وهذا المرض الذي هو أدهى وأمرّ هو أنّها فقدت إرادتها، وفقدت بذلك أن تقول كلمتها، أصبحت تدرك لكنّها لا تستطيع أن [تتحرّر][1]، أصبحت تتألّم لكنّها لا تستطيع أن تنبثق؛ لأنّ هذه الامّة رخص عندها كلّ شيء إلّا حياتها [المحدودة][2]، إلّا هذه الأنفاس التي […][3]، التي تعلو وتهبط في ذلٍّ وفي عبوديةٍ وفي حرمان، غاية همِّ أيِّ إنسانٍ من هؤلاء أن يحافظ على هذه الأنفاس لكي يصل إلى نهاية الشهر ثمّ يقبض عطاءه عن يدٍ وهو صاغر من عاملٍ من عمّال بني امّية.
ماتت الهِمَّة، وماتت الإرادة، وماتت تلك الامّة الشامخة التي أعدّها الله لكي تمثّل خلافة الله في الأرض.
مشاهد موت الضمير وفقدان الإرادة[4]
: 1- وقصّة سيّد الشهداء، وسيرُ قصّة سيّد الشهداء فيه مئات الشواهد على هذا الموت العجيب، على فقدان الامّة لهذه الإرادة:
سيّد الشهداء يعتزم أن يتحرّك، يعتزم أن يسافر من المدينة إلى مكّة[5]، ثمّ يعتزم بعد هذا أن يسافر من مكّة إلى العراق[6]، فيتبارى الأشخاص،
[1] ما بين عضادتين غير واضح في المحاضرة الصوتيّة، وهو مردّد بين« تتحرّر» وبين« تتحرّك».
[2] ما بين عضادتين غير واضح في المحاضرة الصوتيّة، ويُحتمل كونه:« المحسوسة».
[3] ما بين عضادتين غير واضح في المحاضرة الصوتيّة، وغير مثبت في( غ) و( ش) و( ن).
[4] سيأتي منه( قدّس سرّه) تعميقٌ لهذا الحديث في المحاضرة التاسعة عشرة، تحت عنوان: مشاهد موت الإرادة في المجتمع الحسيني.
[5] « كان الحسين خرج من المدينة إلى مكّة يوم الأحد، لليلتين بقيتا من رجب سنة ستين، ودخل مكّة ليلة الجمعة، لثلاث ليال خلون من شعبان» أنساب الأشراف 160: 3؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 381: 5.
[6] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 385: 5.