القسم الرابع: البعيدون عن حيثيّات الأحداث في قلب الدولة الإسلاميّة:
وهناك قسمٌ رابع- أو بالإمكان أن نفترض قسماً رابعاً- يرتبط بمسألة تنازل الإمام الحسن (عليه السلام)؛ فإنّ تنازل الإمام الحسن عن المعركة مع معاوية وإعلانه الهدنة مع معاوية[1] لم يكن- في أكبر الظنّ- مكشوفاً بالدرجة الكافية الواضحة إلّا داخل دائرة الجماهير الكبرى في العالم الإسلامي التي كانت تعيش المأساة عن قربٍ، من قبيل الكوفة، ومن قبيل العراق بشكلٍ عام، والتي كانت بيدها خيوط الحكم في العالم الإسلامي.
وأمّا ذاك الإنسان الواقع في آخر حدود العالم الإسلامي- في أقاصي خراسان مثلًا- ولم يكن يعيش المحنة يوماً بعد يوم، ولم يكن يكتوي بالنار التي اكتوى بها الإمام الحسن (عليه السلام) في الكوفة من قواعده وشيعته وطائفته وأعدائه، وإنّما تجيئه الأخبار عبر المسافة ما بين الكوفة وأطراف خراسان مثلًا، ذاك الإنسان لم يعرف بشكلٍ واضحٍ شيئاً محدّداً عن هذا التنازل: أَهو اعترافٌ بشرعيّة الاطروحة الامويّة؟ أو هو تصرّف اقتضته الضرورة والظروف الموضوعيّة التي كان يعيشها الإمام الحسن (عليه السلام)؟
مبرّرات الإمام الحسين (عليه السلام) في اختيار الموقف الرابع:
فكان لا بدّ للإمام الحسين (عليه السلام) أن يختار موقفاً يعالج فيه هذه الأقسام الأربعة من الامّة الإسلاميّة، أو هذه النقاط الأربعة:
1- كان لا بدّ وأن يختار الموقف الذي يستطيع به أن يُرجع للقسم الأوّل
[1] « الذي قد شرحنا سابقاً ظرفه ومبرّراته، وعرفنا أنّه هو الاسلوب الوحيد الذي كان يحتّمه على الإمام الحسن موقفُه ومركزه كزعيمٍ للطائفة، وكأمين على الإسلام والمسلمين، لكنّ هذا الواقع ..»( الشهيد الصدر( قدّس سرّه))، وقد تقدّم الحديث عن ملابسات موقف الإمام الحسن( عليه السلام) في المحاضرتين: الرابعة عشرة والخامسة عشرة.