المشهد السابع: محنة مسلم وهانئ:
والدليل الذي هو أكبر من هذا [هو] محنة مسلم وهانئ. محنة مسلم وهانئ التي يقلّ نظيرها في التاريخ، هذه المحنة تصوّر هذا المرض- وهو في قمّته، وهو في شدّته- بأروع تصوير، أو بأفظع تصوير.
قد يذهب وهمُ الإنسان إلى أنّ مسلم بن عقيل كيف استطاع- أو كيف اتّفق له- أن يفرّط بكلّ هذه القوى الضخمة التي كانت بين يديه؟! كيف فرّط بهذه القوى الشعبيّة التي بين يديه؟ بين عشيّة وضحاها بقي وحيداً فريداً يتسكّع في الطرقات؟! كيف فرّط بمثل هذه القوى؟ كيف لم يستثمر هذه القوى في معركته مع عبيدالله بن زياد؟!
في الواقع: إنّ هذه القوى لم تكن قوىً إلّا على الورق، لم تكن هذه القوى قوىً إلّا في سجلّ تسجيل الأسماء حينما سجّل الأسماء فبلغت ثمانية عشر ألفاً[1]، أو بلغت عشرين ألفاً[2]، أو بلغت ثلاثين ألفاً[3]، كانت قوىً على الورق؛ وذلك لأنّ هؤلاء الثمانية عشر ألفاً أو العشرين ألفاً كانوا جزءاً من هذه الامّة الميْتة، من هذه الامّة المنهارة.
هذا الانهيار العجيب المفاجئ في لحظة، هذا الانهيار العجيب المفاجئ في ساعة هو يعكس تلك الهزيمة المسبقة .. هذه الهزيمة وراءها هزيمة: هزيمة النفس، هزيمة الوجدان، هزيمة الضمير، تلك الهزيمة في النفس والوجدان
[1] الأخبار الطوال: 241، 243، 253؛ أنساب الأشراف 80: 2؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 5: 375.
[2] الوارد في كتاب مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين( عليه السلام) يبشّره فيه بمبايعة أهل الكوفة له بحسب نقل ابن الأعثم:« نيّف وعشرون ألفاً»( الفتوح 45: 5).
[3] المختصر في أخبار البشر 235: 1؛ وانظر: ديوان المبتدأ والخبر( ابن خلدون) 29: 3، الهامش، نقلًا عنه.