أسقطته تلك المرأة التي كانت تذهب إلى زوجها وأبيها وأخيها[1] تنتزعهم انتزاعاً، وتقول لهم: «لا شغل لك مع السلاطين»، هذه المرأة بنفسها قامت بمظاهرة، وقفت أمام عمر بن سعد تندب الحسين وتصيح: «إنّ قاتل الحسين لا يمكن أن يكون أميراً في الكوفة»، حتّى سقط عمر بن سعد[2].
المشهد الثامن: التناقض بين عمل الامّة وعواطفها:
وأعجب مظهر من مظاهر هذا الانهيار هو التناقض الذي كان يوجد بين قلب الامّة- بين عواطف الامّة- وعملها، هذا التناقض الذي عبّر عنه الفرزدق بقوله للإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام): «إنّ قلوبهم معك وسيوفهم عليك»[3]، لا أنّ جماعةً قلوبهم معك وجماعة اخرى سيوفهم عليك، [بل] الوحدات الثمانية في التناقض[4] [كلّها محفوظة، ولكن مع هذا لا تناقض؛ لأنّ هذا الشخص الذي لا يملك إرادته يمكن أن تتحرّك يده على خلاف قلبه، على خلاف عاطفته[5]، ولهذا][6] كنّا نراهم يبكون ويقتلون الإمام الحسين.
[1] إلى هنا ينتهي أكثرُ ما وصلنا من المحاضرة الصوتيّة، وما يأتي أثبتناه من( ح).
[2] « فلمّا همّوا بتأميره أقبل نساء من همدان وغيرهنّ من نساء كهلان والأنصار وربيعة والنخع حتّى دَخَلْنَ المسجد الجامع صارخات باكيات مُعوِّلات يندبن الحسين، ويقلن: أما رضي عمرو بنسعد بقتل الحسين حتّى أراد أن يكون أميراً علينا على الكوفة، فبكى الناس، وأعرضوا عن عمرو» مروج الذهب 85: 3.
[3] المعروف أنّه قولُ الفرزدق، فراجع: الأخبار الطوال: 245؛ مقاتل الطالبيّين: 111؛ دلائل الإمامة: 74؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 386: 5. وقد نسب إلى بشر بن غالب الأسدي( الفتوح 70: 5) ومجمع بن عبدالله العائذي[ أنساب الأشراف 172: 3؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 405: 5؛ تجارب الامم 65: 2؛ الكامل في التاريخ 49: 4].
[4] كلامه( قدّس سرّه) ناظرٌ إلى ما يُذكر في المنطق من أنّ التناقض لا يتصوّر إلّا بعد تحقّق ثمانية امور عرفت ب-( الوحدات الثمانية)، وهي: وحدة الموضوع، المحمول، المكان، الشرط، الإضافة، الكل والجزء، القوّة والفعل، وآخرها: وحدة الزمان، فراجع: الحاشية على تهذيب المنطق: 315.
[5] سيتجدّد الحديث حول هذه المسألة في المحاضرة الحادية والعشرين.
[6] ما بين عضادتين مثبت في المحاضرة الصوتيّة.