النقطة الثالثة: حرص الإمام (عليه السلام) على إدراك الامّة رساليّة المعركة:
وأمّا ثالثاً: فلا بدّ أيضاً من الالتفات إلى نقطة كنّا قد بحثناها[1]، وهي أنّ الإمام (عليه الصلاة والسلام) كان حريصاً على أن تدرك الامّة كامّة- يعني: الامّة ككلٍّ- أنّ واقع المعركة بينه وبين خصومه، بينه وبين شام معاوية ليست معركةً ما بين شخصين، بين قائدين، بين قبيلتين، وإنّما هي معركة بين الإسلام والجاهليّة. كان حريصاً على أن يفهم الناس أنّ واقع المعركة هو واقع المعركة بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والجاهليّة التي حاربته في بدرٍ واحُد وغيرهما من الغزوات.
وكان هذا الحرص سوف يُمنى بنكسةٍ كبيرةٍ لو أنّه (عليه الصلاة والسلام) أقرّ معاوية، وأقرّ مخلّفات عثمان السياسيّة والماليّة. لو أنّه أقرَّ هذه المخلَّفات- ولو إلى برهة من الزمن- إذاً لترسّخ في ذهن الناس- وفي ذهن المسلمين بشكل عام- أنّ القصّة ليست قصّةَ معركةٍ رساليّة، وإنّما قصّة أهداف حكم: إذا انسجمت هذه الأهداف مع واقع هذه المخلّفات، إذاً ستُمضى هذه المخلّفات.
ذلك الشكّ الذي درسناه في ما مضى[2]، ووجدنا أنّه نما عند الامّة في أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) بالرغم من أنّه لم يكن يوجد له أيُّ مبرّرٍ موضوعي، وإنّما كانت له مبرّراته الذاتيّةالتي قرأناها في ما سبق .. بالرغم من أنّه لم يكن يوجد أيّ مبرّرٍ موضوعيٍّ للشكّ، وبالرغم من أنّ المبرّر الوحيد للشكّ كان مبرِّراً ذاتيّاً كما عرفنا في ما سبق، بالرغم من هذا: استفحل هذا الشكّ، وطغى هذا الشكّ،
[1] في المحاضرة الخامسة، تحت عنوان: مبرِّرات تأخير أمير المؤمنين( عليه السلام) الصراعَ السياسي مع الحكم، وفي المحاضرة الثامنة، تحت عنوان: الخطّ الأوّل: محاولة أمير المؤمنين( عليه السلام) تصحيح الانحراف، الإمام علي( عليه السلام) بين ترسيخ الوجه الواقعي وتفادي استغلال الوجه الظاهري.
[2] في المحاضرة الحادية عشرة، تحت عنوان: أسباب الشكّفي رساليّة المعركة بين عليٍّ( عليه السلام) ومعاوية، وفي المحاضرة الثانية عشرة، تحت عنوان: سريان الشكّ وتعميقه في مجتمع الإمام علي( عليه السلام). وقد أشرنا في مقدّمة التحقيق إلى تأخيرنا هاتين المحاضرتين المتقدّمتين زماناً لدواعٍ منطقيّة. وراجع كذلك: المحاضرة السادسة عشرة، تحت عنوان: انسحاب خطّ الإمام علي( عليه السلام) مؤقّتاً عن الميدان.