وامتُحن هذا الإمام العظيم بهذا الشكّ، ومات واستشهد والامّة شاكّة.
ثمّ استسلمت الامّة بعد هذا، وتحوّلت إلى كتلةٍ هامدةٍ بين يَدَي الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام)[1].
هذا كلّه بالرغم من أنّ الشكَّ لم يكن له أيُّ مبرِّر موضوعي، فكيف إذا افترضنا أنّ الشكّ وُجدت له مبرّرات موضوعيّة بحسب الصورة الشكليّة للموقف؟!
كيف لو أنّ المسلمين رأوا أنّ عليَّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام)- الذي هو رمز الاطروحة ورمز أهداف معيَّنة- يأتي ليساوم، وليعامل، وليبيع الامّة- ولو مؤقّتاً- مع خيار الفسخ؟! كيف للُامّة أن تدرك الفرق بين بيع بلا خيار الفسخ وبين بيع يكون فيه خيار الفسخ؟!
إنّ البيع على أيّ حال طبيعته [هي] البيع، وأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كانت مهمّته الكبرى هي أن يحافظ على وجود الامّة، على أن لا تتنازل الامّة عن وجودها، الامّة التي قالت لعمر بن الخطّاب، لأكبر خليفةٍ تولّى الحكم المنحرف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قالت لهذا الخليفة: «إذا انحرفتَ عمّا نعرف من أحكام كتاب الله وسنّة رسوله (صلّى الله عليه وآله) نقوّمك بسيوفنا»[2].
هذه الامّة التي قالت هذه الكلمة بكلّ شجاعة لأكبر خليفةٍ منحرف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، هذه الامّة كانت قد بدأت تتنازل عن وجودها، أو بتعبيرٍ آخر: كانت هناك مؤامرات عليها لكي تتنازل عن وجودها، وكان على
[1] وهو ما سيبحثه( قدّس سرّه) بشكل مفصّل في المحاضرتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة.
[2] تقدّم التعليق على هذه الحادثة في المحاضرة الثالثة، تحت عنوان: انعكاسات دور الأئمّة( عليهم السلام) الإيجابي في الحفاظ على الرسالة، ردع الحاكم عن مزيد من الانحراف، وفي المحاضرة الثامنة، تحت عنوان: الخطّ الثاني: خطُّ تحصين الامّة، معالجة العامل الكمّي، معارضة الحكّام ومنعهم عن المزيد من الانحراف. وراجع: ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 150: 3؛ المناقب( الخوارزمي): 98، الحديث 100؛ بحار الأنوار 180: 40- 181.