عليّبنأبيطالب (عليه الصلاة والسلام) أن يحافظ على هذه الامّة، ويحصّنها ضدّ أن تتنازل عن وجودها.
عمليّة التنازل عن الوجود كان يمثّلها معاوية بن أبي سفيان وجذور معاوية بن أبي سفيان في تاريخ الإسلام، هذا الذي عبّر عنه وقتئذٍ بأنّ الإسلام أصبح هرقليّة وكسرويّة[1]. الهرقليّة والكسرويّة كان يُكنّى [بهما] عن تنازل الامّة عن وجودها. يعني: تحوّلت التجربة الإسلاميّة من امّةٍ تحمل رسالة إلى مَلِكٍ وسلطان يحمل هذه الرسالة بمستوى وعيه لهذه الرسالة، أو إخلاصه لهذه الرسالة، سلباً وإيجاباً.
هذه المؤامرة الكبيرة التي نجحت بعد هذا، والتي تُوّجت بكلّ المآسي والمحن والكوارث التي كانت ولا تزال إلى يومنا هذا، كلّ هذه المحن والكوارث هي نتيجةُ تنازل الامّة عن وجودها، نتيجةُ خداع الامّة وتضليلها أو الضغط عليها، حتّى تنازلت عن وجودها في عقدٍ لا يقبل الفسخ.
أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) أدرك الامّة في اللحظات الأخيرة من وجودها المستقلّ، كان يريد أن يمدّد هذا الوجود المستقلّ، أن يُشعر الامّة بأنّها ليست سلعةً تباع وتشترى، أنّها ليست شيئاً يساوَم عليه.
إذاً، كيف يُشعرها بأنّها ليست سلعةً تباع وتشترى إذا كان هو يبيعها ويشتريها ولو في عقود قابلة للفسخ؟!
كيف يستطيع أن يشعر الامّة بأنّها هي لا تُباع ولا تُشترى، ليست وفق رغبات السلاطين، ليست وفق أهواء الحكّام، وإنّما هذه الامّة تمثّل خلافة الله في الأرض، لأجل أن تحقّق أهداف هذه الخلافة في الأرض؟!
[1] قالها- مع تفاوتٍ- عبدالله بن عمر في حياة معاوية( الإمامة والسياسة 196: 1)، وقالها عبدالرحمنبن أبي بكر لمروان عند إرادة أخذ البيعة ليزيد( المنتظم في تاريخ الامم والملوك 299: 5؛ البداية والنهاية 8: 89).