في مكّة؛ لكي لا تنتهك بذلك حرمة هذا الحرم الشريف»[1]، فتراه طرح هذا الشعار.
وهذا الشعار- بالرغم من واقعيّته- منسجمٌ مع أخلاقيّة الامّة المعاشة أيضاً؛ فأخلاقيّة الهزيمة التي تعيشها الامّة الإسلاميّة لا تجد منطقاً تنفذ منه للتعبير عن نقد مثل هذا التحرّك من الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام)؛ فهو (عليه السلام) يقول: «أنا مقتول على كلّ حال»، والظواهر كلّها تشهد بذلك: الدلائل والأمارات والملابسات تشهد بأنّ بني اميّة قد صمّموا على قتل الإمام الحسين، ولو عن طريق الاغتيال[2]، ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة[3].
إذاً، فطرح مثل هذا الشعار لأجل تفسير هذا الموقف كان مناسباً جدّاً مع إقناع أخلاقيّة الهزيمة، مع كونه شعاراً واقعيّاً في نفس الوقت.
2- الشعار الثاني: غيبيّة قرار التحرّك:
يأتي أشخاص آخرون إليه، يعترضون عليه، يقولون: «لِمَ تتحرّك؟». يأتي محمّد بن الحنفيّة ينصحه في أوّل الليل بنصائح عديدة، فيقول له: «أنظر، افكّر في ما تقول»، فيذهب محمّد بن الحنفيّة، وفي آخر الليل يسمع بأنّ الإمام الحسين قد تحرّك، يسرع إليه ويأتي، يأخذ براحلته ويقول له: «يا أخي قد
[1] قال( عليه السلام):« والله لأنْ اقتل خارجاً منها بشبر أحبُّ إليَّ من أن اقتل داخلًا منها بشبر، وأيمُ الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيَّ حاجتهم، ووالله، ليعتدنَّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت» ويؤكّده قوله( عليه السلام) للفرزدق:« لو لم أعجل لُاخذت»، وقوله( عليه السلام):« والله! لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 385: 5، 386، 394. وراجع: الفتوح 67: 5؛ الكامل في التاريخ 38: 4.
[2] في رسالة ابن عبّاس إلى يزيد:« فلستُ بناسٍ إطرادك الحسين بن علي من حرم رسولالله إلى حرم الله، ودسّك إليه الرجال تغتاله، فأشخصتَه من حرم الله إلى الكوفة، فخرج منها خائفاً يترقّب» تاريخ اليعقوبي 249: 2.
[3] تقدّم التعليق على هذه المقولة في المحاضرة السابعة عشرة، تحت عنوان: مبرّرات الإمام الحسين( عليه السلام) في اختيار الموقف الرابع.