ولئن كان الحسين قد وقف موقفه العظيم من أجل إرادة الامّة وحمايتها من الانهيار، فإنّ مدى تجاوب الامّة مع هذا الموقف ووعيها لمضمونه وأهدافه هو الذي يحدّد درجة إرادة الامّة وأصالتها، وبقدر ما تستوعب الامّة من دور الحسين، وتتفاعل مع رسالته الكبيرة، وتلتزم بتعاليمه، وتثبت إرادتها الحقيقيّة وشخصيتها الأصيلة وحرصها على الأمانة الغالية، وكلّ ما تحويه من قيم ومفاهيم وأحكام.
هذه آخر ليلة ودّع فيها الإمام الحسين عالم الأحياء، غير آسف على شيءٍ سوى رسالته العظيمة التي عاش لها عمره، وذاك هو قدرُ المجاهدين أبداً.
الإمام الحسين (عليه السلام) يُعالج مرض موت إرادة الامّة:
بينما قدّر للإمام الحسن (عليه السلام) أن يعالج مرض الشك في الامّة الإسلاميّة التي بدأت في عهد أمير المؤمنين تشكّ في الخطّ الرسالي النظيف الذي سار [عليه] أهل البيت قَدَماً على قَدَم وراء رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، واستفحل هذا الشكُّ حتّى تحوّل في عهد الإمام الحسن إلى حالة مَرَضيّة لم يمكن علاجها حتّى بالتضحية، بينما[1] قدّر للحسن أن يعالج مرض الشك في الامّة الإسلاميّة، عالج الحسين مرضاً آخر، هو انعدام الإرادة مع وضوح الطريق.
فالامّة التي كانت تشكّ في المعركة القائمة داخل الإطار الإسلامي بين الجناحين المتعارضين اتّضحت لها معالم الطريق، لكن بعد أن نامت وتحوّلت إلى رعيل من التنابلة[2]، وبعد أن استطاع الذين سرقوا شخصيّتها وزوّروا إرادتها ومزّقوا كبرياءها أن يجعلوها غير قادرة على تغيير موقفها.
إنّ فقدان الإرادة كان مرضاً عالجه الإمام الحسين القائد بالسلوك الذي
[1] في النسخة الخطّيّة:« وبينما».
[2] أي: الكسالى.