ولكنّ عليّاً كان يقول هذا للعراقي؛ لأنّ عليّاً كان يحمل بيده مسؤوليّة الامّة، ومسؤوليّة إعادة الوحدة إلى المجتمع الإسلامي، بينما كان معاوية كلُّ مكسبه وكلُّ همّه وقصارى أمله أن يحافظ على هذا الانشقاق، يحافظ على هذه التجزئة التي أوجدها والتي كادها للإسلام والمسلمين.
وهنا: شتّان بين قضيّة الهجوم حينما تطرح وقضيّة الدفاع.
الفارق الثالث: المنافسة المَدَنيّة العراقيّة لعليٍّ (عليه السلام)، والتسليم الشامي لمعاوية:
ومن ناحية ثالثة، كان هناك فرقٌ آخر بين معاوية وبين إمام الإسلام (عليه الصلاة والسلام)، وهذا الفرق هو:
أ- أنّ معاوية كان يعيش في بلدٍ لم يكن قد نشأت فيه زعامات سياسيّة طامحة إلى الحكم والسلطان من ناحية، ولم يكن فيه اناسٌ من أصحاب السوابق إلى الإسلام ممّن يرى لنفسه الحقَّ في أن يساهم في التخطيط، وفي التقدير، وفي حساب الحاكم، وفي رسم الخطّ، لم يكن هكذا.
الشام أسلمت على يد معاوية وأخي معاوية وأمثال معاوية، كلّهم كانوا مسلمين نتيجةً لإسلام معاوية ولإسلام أخي معاوية ولإسلام من استخلف معاويةَ على الشام، ولم يكن قد مُنِي بتناقضات من هذا القبيل.
ب- أمّا عليٌّ (عليه الصلاة والسلام) [ف-]- كان يعيش في مدينة الرسول، كان يعيش في حاضرة الإسلام الاولى التي عاش فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعاش فيها بعد ذلك أبو بكر، وعاش فيها بعد ذلك عمر وعثمان، حتّى قتل عثمان:
فهو من ناحية: كان يواجه كثيراً من الصحابة من أصحاب السوابق في خدمة الإسلام، هؤلاء الذين كان كثيرون منهم يرَون[1] أنّ من حقّهم أن يساهموا في التخطيط، وأن يشتركوا في رسم الخطّ، وكان لكلٍّ منهم اجتهاده
[1] في المحاضرة الصوتيّة:« كان كثيرٌ منهم من يَرَون».