وقد حقنت الدماء بابن رسول الله؛ حيث إنّ ابن رسول الله استجاب للصلح[1].
بطبيعة الحال كان لهذا الإنشاء- هذا الإخبار الكاذب، الذي كان إنشاءً- مفعولٌ كبيرٌ جدّاً في التخدير، وفي إضعاف العزائم والهمم، وفي توسيع نطاق الشكّ الذي تكلّمنا عنه.
بعد هذا يخرج الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام)، يقف خطيباً، يقول بأنّ معاوية- لا أحفظ العبارة بالضبط، لكن ما معناه هذا- دعانا إلى ما لا يكون فيه خيرنا ولا خيركم، فماذا أنتم فاعلون؟».
وكأنّهم كلّهم يعرفون أنّ هذا الشيء ليس فيه خيره ولا خير [الناس][2]، فصاحوا بصوتٍ واحد: «الصلح! الصلح!»[3].
ضرورة انحسار الإمام عن المعركة:
كانت هذه اللحظة هي اللحظة التي أحسّ فيها الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام) بأنّ بقاء التجربة الإسلاميّة الصحيحة العلويّة أصبح شيئاً متعذّراً غير ممكن، وأنّ انحساره عن الميدان أصبح شيئاً ضروريّاً لأجل الإسلام نفسه؛ وذلك لأنّ هذه التجربة لا يمكن أن تعيشمع هذا الشكّ، فلا بدّ وأن يُقضى على هذا الشكّ ثمّ تُستأنف التجربة.
[1] « ثمّ خرجوا من عنده وهم يقولون ويسمعون الناس: إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء، وسكّن به الفتنة وأجاب إلى الصلح» تاريخ اليعقوبي 215: 2.
[2] المقطع الصوتي هنا غير واضح، وما أثبتناه من( غ) و( ه-)، ولكنّه حتماً ليس كذلك، وفيها جميعاً:« أنّ هذا الشيء الذي ليس فيه»، بإضافة« الذي».
[3] « ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عزّ وجلّ بظبي السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضى. فناداه النّاس من كلّ جانب: البقيّة البقيّة! وأمضى الصّلح» الكامل في التاريخ 406: 3؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة 491: 1؛ ديوان المبتدأ والخبر( ابن خلدون) 649: 2.