ولم يكن بالإمكان أن يُقضى على هذا الشكّ المرير المستعصي إلّا بأن ينحسر عليٌّ عن المعركة، و [ينحسر] خطُّ عليٍّ عن المعركة، ثمّ تنكشف اطروحة معاوية وأهداف معاوية.
بعد هذا يرى المسلمون بامّ أعينهم- هؤلاء الذين كانوا يعيشون الحسّ أكثر ممّا يعيشون العقل، يعيشون عيونهم أكثر ممّا يعيشون عقولهم[1]– يرون بعيونهم أنّ المعركة التي كان يقودها الإمامُ عليٌّ مع معاوية هي معركة الإسلام مع الجاهليّة، لا معركة شخصٍ مع شخص، ولا مصلحة مع مصلحة، ولا عشيرة مع عشيرة، كان لا بدّ- في منطق التجربة- من أن يُحارَب هذا الشكُّ ثمّ تُستأنف التجربة.
ولم يكن بالإمكان- وليس بالإمكان اليوم، وليس بالإمكان في أيّ يوم- أن تنجح تجربة رساليّة يقودها قائدٌ يحمل بيده رسالةً هي أكبر من وجودات الأشخاص وأكبر من مصالحهم الخاصّة، ما لم يكسب مسبقاً الاقتناعَ بصحّة هذه الرسالة وبأهدافها وبضرورتها، ولم يكن بإمكان التجربة السياسيّة وقتئذٍ- وهي مواصِلةٌ وجودَها في المعركة- أن تكسب هذا الاقتناع.
هذا الاقتناع الذي لم يستطع الإمام عليٌّ أن يكسبه ولم يستطع أن يحول دون فقدانه بالتدريج، لم يستطع الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام) أن يكسبه، أو أن يحول دون تفاقم فقدانه بالتدريج،
ولهذا كان من الضروري أن ينحسر ظلُّ الإمام عليٍّ عن ميدان الحكم لكي تتكشّف اطروحه معاوية، وبعد ذلك يعرف المسلمون أنّ هذه الاطروحة التي جاهد في سبيلها عليٌّ هي اطروحة وجودهم وعقيدتهم ورسالتهم ومصالحهم الحقيقيّة غير المنظورة لهم، وعندئذٍ يكون بالإمكان استئناف العمل من جديد
[1] وهذا مُقتضى طبيعة البشر كما تقدّم منه( قدّس سرّه) في المحاضرة الاولى من هذا الكتاب.