إرادته وقدرته على مواجهة الوضع القائم وقتئذٍ، وكان قد استشعر الذلّ والاستكانة والتبعيّة في نفس الوقت الذي هو يشعر بأنّ خسارةً كبيرةً- هي خسارة تحويل الخلافة إلى كسرويّة وهرقليّة[1]– تحيق بالامّة الإسلاميّة، في نفس هذا الوقت لم يكن يقدر على أن يتحرّك؛ لأنّ يده ولسانه كانا ملك شهواته، ولم يكونا ملك عقله وقلبه وعقيدته.
هذا القسم [هو] الذي عبّر عنه الفرزدق في كلامه مع الإمام الحسين حينما قال: «سيوفهم عليك وقلوبهم معك»[2]؛ فهم يؤمنون بأنّ الإسلام يُنتهك على أيدي بني اميّة، ولكنّهم لا يستطيعون أن يتحرّكوا، فيتحرّكون إلى جانب بني اميّة، ويحملون السيوف ضدّ الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام).
القسم الثاني: الذين عزّت عليهم نفوسهم وهان عليهم الإسلام:
القسم الآخر في الامّة الإسلاميّة[3]– والذي كان يمكن أن يشمل عدداً كبيراً أيضاً ممّن شملهم القسم الأوّل- هو ذاك القسم الذي هان عليه الإسلام نفسُه، لا هانت عليه نفسه، بل هان عليه نفس الإسلام والرسالة؛ فلم يعد يهتمّ بالرسالة بقدر اهتمامه بمصالحه الشخصيّة، تضاءلت أمامه الرسالة، وكبر أمامه وجوده ومصلحته واعتباراته ودراهمه.
هذا القسم فرقُه عن القسم الأوّل: أنّ القسم الأوّل كان يشعر بالمصيبة
[1] الجملة الاعتراضيّة متأخّرة في المحاضرة المدوّنة على قوله( قدّس سرّه):« بالامّة الإسلاميّة».
[2] المعروف أنّه قولُ الفرزدق، فراجع: الأخبار الطوال: 245؛ مقاتل الطالبيّين: 111؛ دلائل الإمامة: 74؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 386: 5. وقد نسب إلى بشر بن غالب الأسدي( الفتوح 70: 5) ومجمع بن عبدالله العائذي( أنساب الأشراف 172: 3؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 405: 5؛ تجارب الامم 65: 2؛ الكامل في التاريخ 49: 4).
[3] « وطبعاً، أنا حينما اقسّم لا أقصد من ذلك: التقسيم الحدّي؛ بحيث لا ينطبق قسمان منهما على فردٍ واحدٍ؛ فهناك عناوين أربعة، ويمكن أن يتصادق عنوانان من هذه العناوين على فرد أو أفراد في الامّة الإسلاميّة»( الشهيد الصدر( قدّس سرّه)).