يدخلون على الإمام الحسن، يعرضون عليه الكتب، كتب الخونة من أصحابه، هؤلاء الذين أعماهم ذاك الشكّ الذي تكلّمنا عنه[1]، فكتبوا إلى معاوية هذه الكتب.
الإمام الحسن يقرأ هذه الكتب واحداً بعد الآخر، ثمّ بعد هذا توجد رسالة من معاوية بن أبي سفيان إلى الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام) يقول له بأنّه: «إن شئت أن تحقن الدماء وأن توقف القتال، ولك الأمر من بعدي»[2].
الإمام الحسن بعد أن ينهي قراءته لهذه الكتب لا يعطي أيّ كلمة فاصلة في الموضوع، وإنّما يتّجه إلى هؤلاء الثلاثة فيعظهم، يذكّرهم الله والنار وأيّام الله، يذكّرهم بأنّ هذه اللحظات هي جزءٌ قصيرٌ جدّاً من عمرهم، يجب أن يقيّموها على أساس الشوط الطويل الذي يعيشونه، يقف منهم كواعظٍ فقط، ثمّ يسكت[3].
وإنّما يسكت لأنّه يحاول أن يقوم بآخر تجربة مع قاعدته الشعبيّة، ليرى أنّه: هل بقي في هذه القاعدة الشعبيّة أيُّ قدرة على مواصلة المعركة مهما كلّف الثمن؟
يخرج هؤلاء من عند الإمام الحسن، فيحاولون أن يكذبوا على الإمام الحسن، فنشروا في الجيش وهم [يصرخون][4] أنّ الله قد فرّج عن هذه الامّة،
[1] في ثنايا هذه المحاضرة.
[2] تلفيقٌ منه( قدّس سرّه) بين عدّة مصادر، وقد جاء في الكتاب:« ثمّ الخلافة لك من بعدي؛ فأنت أولى الناس بها، والسلام» مقاتل الطالبيّين: 68؛ شرح نهج البلاغة 37: 16. لكنّ الظاهر أنّ هذا الكتاب كان قبل استنفار الإمام الحسن( عليه السلام) قومه للجهاد؛ حيث برز موقف عدي بن حاتم المتقدّم، ولم نجد ما يشير إلى أنّه وصله مع وفد معاوية.
[3] لم نعثر على هذه الموعظة في مصدر، والظاهر أنّه( قدّس سرّه) قد استفاده من: صلح الحسن( عليه السلام): 161 الذي يعتمد على( تاريخ اليعقوبي)، ولكنّها ليست في الأخير؛ إذ فيه:« وأتوه وهو بالمدائن نازلٌ في مضاربه، ثمّ خرجوا من عنده» تاريخ اليعقوبي 215: 2.
[4] المقطع الصوتي هنا غير واضح، ويبدو أنّه:« يستصرخون»، وفي( غ) و( ه-):« يستطرقون»، ولكنّه ليس كذلك حتماً، ولعلّ مراده( قدّس سرّه): ما أثبتناه؛ بقرينة ما يأتي:« وهم يقولون ويُسمعون الناس».