لكي يستطيع أن يستثمر هذه اللحظة في سبيل إعادة هذه الامّة إلى سيرها الطبيعي؟!
كان لا بدّ للإمام (عليه الصلاة والسلام) أن يستثمر لحظة الارتفاع الثوريّة هذه؛ لأنّ المزاج النفسي والروحي وقتئذٍ لشعوب العالم الإسلامي لم يكن ذاك المزاج الاعتيادي الهادئ الساكن لكي يَلِيَ فيه حسب مخطَّط تدريجي، وإنّما كان هو المزاج الثوري المرتفع الذي استطاع أن يرتفع إلى مستوى قتل الحاكم والإطاحة به؛ لأنّه انحرف عن كتاب الله وسنّة رسوله (صلّى الله عليه وآله)[1].
إذاً، هذا الارتفاع الذي وجد في لحظةٍ في حياة الامّة الإسلاميّة، هذا الارتفاع لم يكن من الهيِّن إعادته بعد ذلك. كان لا بدّ للإمام- للحاكم الذي يتسلّم زمام المسؤوليّة في مثل هذه اللحظة- أن يعمّق هذه اللحظة، أن يمدّد هذه اللحظة، أن يرسّخ المضمون العاطفي والنفسي لهذه اللحظة عن طريق هذه الإجراءات الثوريّة التي قام بها أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام).
لو أنّ الإمام (عليه الصلاة والسلام) أبقى الباطل مؤقّتاً، أمضى التصرّفات الكيفيّة[2] التي قام بها الحكّام من قَبْلِه، لو أنّه سكت عن معاوية، وسكت عن أحزاب اخرى مشابهة لمعاوية بن أبي سفيان إذاً لهدأت العاصفة، ولانكمش هذا التيّار العاطفي النفسي. وبعد انكماش هذا التيّار العاطفي من الذي يضمن للإمام أن يرجع هذا التيّار مرّة اخرى لكي يستطيع في ضمنه أن يقوم بمثل هذه الإجراءات؟!
فكان أفضل ظرفٍ لهذه الإجراءات هو الظرف الثوري الذي كانت تعيشه الامّة الإسلاميّة، ولم يكن بالإمكان تأجيل هذه الإجراءات إلى ظرفٍ آخر تنطفئ فيه هذه الشعلة، وتذوب هذه العواطف، وتتميّع هذه المشاعر.
هذا ثانياً.
[1] يقصد( قدّس سرّه) مقتل عثمان بن عفّان.
[2] يقصد( قدّس سرّه): المزاجيّة.