هذا الرجل الذي عاش مع جهاد أمير المؤمنين، هذا الرجل الذي كان يعي مدلول حرب صفّين[1]، وكان يدرك بأنّ الإمام عليّاً في حرب صفّين يمثّل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في غزوة بدر.
ولكنّ الدنيا، ولكنّ الانهيار النفسي، ولكنّ النَّفَسَ القصير خَنَقَه في النهاية، فذاب وتميّع، واشتدّ تميّعه بالتدريج، إلى أن وصل إلى حدٍّ أنّ عبيداللهبن زياد يبعث عليه ليقاتل الحسين ابن رسول الله، فماذا يكون العذر؟ ماذا يكون الجواب؟
لا يملك أن يعتذر بعذرٍ من الأعذار إلّا أن يقول: «أنا مريض»؛ يعتذر بأنّه مريض، كلمة باردة جدّاً على مستوى بروده النفسي.
عبيد الله بن زياد يبعث إليه الرسول مرّة اخرى، يقول: «المسألة حدّيّة، لا مرض في هذه الحالة، إمّا أن تكون معنا، وإمّا أن تكون عدوّنا».
بمجرّد أن يتلقّى هذه الرسالة ويعرف أنّ المسألة حدّيّة يقوم شبثبنربعي يلبس ما كان يلبسه، ثمّ يخرج متّجهاً إلى عبيد الله بن زياد وهو يقول: «لبّيك»[2].
هذه الاستجابات من هذا الطرف وذاك البرود وتلك السلبيّة من ذلك الطرف هو أكبر دليل على هذا المرض.
[1] وقعة صفّين: 294؛ أنساب الأشراف 340: 2.
[2] « أمّا شبث فاعتلّ بمرض، فقال له ابن زياد: أتتمارض؟ إن كنت في طاعتنا فاخرج إلى قتال عدوّنا، فلمّا سمع شبث ذلك خرج» الأخبار الطوال: 254؛ الفتوح 89: 5. وكان شبث قد استجاب قبل ذلك لطلب ابن زياد في تفريق الناس عن مسلم بن عقيل، فراجع: تاريخ الامم والملوك( الطبري) 369: 5- 370؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 52: 2- 53؛ مقتل الحسين( عليه السلام)( الخوارزمي) 298: 1.