ومنطقيّاً؛ لأنّها لا تشعر بكرامتها.
والإمام الحسين (عليه السلام) أراد أن يبدلّ هذه الأخلاقيّة المحطّمة لهذه الامّة، ويصنع لهذه الامّة أخلاقيّة تنسجم مع القدرة على التحرّك والإرادة حينما كان يقول: «لا أرى [الموت إلّا شهادة، ولا] الحياة مع الظالمين إلّا برماً»[1].
ولم يكن هذا [القولُ] شكوى مجرّدة، بل كان عمليّة تغيير لإيجاد- أو في الواقع لإرجاع- هذه الأخلاقيّة العظيمة التي فقدها كلُّ الناس الذين مشوا تحت شعار: «أعطني وذلَّني»[2].
ب- خذ مثلًا آخر: حبيب بن مظاهر يستأذن من الحسين (عليه السلام) ليدعو عشيرته بني أسد للالتحاق بركب الجهاد. ومع معرفة كلّ المسلمين لحبيب في مواقفه الجهاديّة وبياض تاريخه، في ورعه وتقواه، أجابه بنو أسد بإخلاء ديارهم والانسحاب جميعاً قبل طلوع الفجر. يرجع حبيب، يبلّغ الإمام (عليه السلام) بهذه النتيجة الأسطوريّة؛ فبنو أسد كانوا يخشون حتّى من كونهم على الحياد، فغادروا المنطقة نهائيّاً، ولم يكن جواب الشهيد الممتحن (عليه السلام) إلّا أن قال: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله العظيم»[3].
هذا السكون في الضمير، هذه الهزيمة المأساة هي مرض الامّة الذي انبعث إمامكم العظيم ليعالجه. كانت الامّة تشفق على علفها الرخيص، على أنفاسها التي تصعد في ذلّ وحرمان وقد لا تنزل. أمّا الشفقة على الوجود الكلّي، على الكيان والعقيدة، فلم تمرّ بخواطر الدمى أبداً؛ لأنّها تكلّف غالياً.
كلّ هذه المظاهر دليلٌ على ما وصلت إليه الامّة من انحلال.
[1] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 404: 5.
[2] في النسخة الخطيّة حذفت عبارة:« تحت .. ذلَّني»، ووُضعت مكانها كلمات متقطّعة:« في الشارع الطويل، شارع طويل، نعمة الهوان، ثمرتها العافية»، فأثبتنا المحذوف؛ لكونه أوضح.
[3] الفتوح 90: 5- 91.