ج- أضف إلى ذلك الاندفاعات المحمومة نحو خطّ السلطان: فخلال أسبوعين أو ثلاثة بعد مقتل مسلم (عليه السلام) استطاع ابن زياد تجنيد عشرات الالوف من أبناء ذلك البلد الذي ظلّ يحمل رسالة علي حتّى ذلك الحين، واستخدم مئاتٍ من الذين شاركوا الإمام عليّاً في جهاده بصفّين.
ومن الذين استجابوا: عمرو بنالحجّاج، وكان مضطهداً في سبيل الإمام علي أيّام زياد[1]، لكنّه لم يستطع مواصلة المحنة، طلّق عقيدته قبل أن يصل إلى آخر الشوط؛ ليشتري بعقيدته دنيا واسعة.
هذا المسكين انتهت إرادته، انتهت شخصيّته كإنسان مسلم يفكّر بالإسلام، بعزّة الإنسان، فكلّفه قائد الاحتلال الجاهلي الرجعي بأسوأ مهمّة يُكلَّفُ بها إنسان، كلّفه بأن يحول بين الماء و [بين] سيّد الشهداء وصحبه الميامين.
د- وتعال نشقّ عُباب الأسى لنرى كيف طوّق مسلم بن عقيل قصر الإمارة؛ حيث ابن زياد ومعه ثلاثون أو عشرون شرطيّاً[2]، ومسلم معه أربعة آلاف مسلّح[3] ليست لهم قلوب، ليست لهم أيدٍ.
في الواقع لم تكن هذه الآلاف الأربعة إلّا دمى متحرّكة من الخارج، وإلّا فلماذا انهزموا عنه؟! وكان في الأقلّ أن يبقى معه ولو شخص واحد يدلّه على الطريق، لكن عبثاً؛ فالتاريخ يحدّثنا أنّ المرأة حينئذٍ كانت [تأتي] فتنتزع زوجها أو أباها وأخاها قائلة: «لا شغل لكم بالسلاطين»[4]، ونهاية فقدان الإرادة [أن]
[1] وقد سبق منه( قدّس سرّه) الحديث عنه في المحاضرة التاسعة عشرة، تحت عنوان: مشاهد موت الإرادة في المجتمع الحسيني، المشهد السادس. وقد أشرنا إلى أنّنا لم نعثر في ترجمته على ما يشير إلى هذه الجهة.
[2] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 369: 5؛ الكامل في التاريخ 30: 4:« ليس معه إلّا ثلاثون رجلًا من الشرط وعشرون رجلًا من أشراف الناس وأهل بيته ومواليه».
[3] أنساب الأشراف 80: 2؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 350: 5؛ البداية والنهاية 154: 8.
[4] تاريخ الامم والملوك( الطبري) 371: 5؛ مقاتل الطالبيّين: 104؛ مقتل الحسين( عليه السلام)( الخوارزمي) 298: 1. وقد تقدّم التعليق على ذلك في المحاضرة التاسعة عشرة، تحت عنوان: المشهد السابع.