به الأرض كما جاء في الرواية، وقال: أحسبني أشأم مولود ولد في الإسلام، فجمع أهل الإسلام واستشارهم، فلم يجد عند أحدٍ منهم رأياً يعمل به، فقال له القوم[1]: إنّك لتعلم الرأي والمخرج من هذا الأمر! فقال: ويحكم مَن؟ قالوا: الباقي من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله)، قال: صدقتم.
وهكذا كان؛ فقد فزع إلى الإمام زين العابدين، فأرسل (عليه السلام) ولده محمّد بن عليّ الباقر إلى الشام وزوّده بتعليماته الخاصّة، فوضع خطّةً جديدةً للنقد الإسلامي، وأنقذ الموقف[2].
وقد قدِّر للإمام زين العابدين أن يتسلّم مسؤوليّاتِه القياديّةَ والروحيّة
[1] والقائل هو: روح بن زنباع.
[2] التفاصيل والعبارات التي يذكرها( قدّس سرّه) واردة بحقّ الإمام محمّد الباقر( عليه السلام) ابتداءً لا الإمام السجّاد( عليه السلام)، فراجع: المحاسن والمساوئ 342: 1؛ الأمالي( ابن سمعون) 61: 1؛ حياة الحيوان الكبرى 96: 1- 97. وأشارت بعض المصادر إلى أنّ عبدالملك استقدم الإمام السجّاد( عليه السلام) إلى الشام واستشاره، ولم تتعرّض للتفاصيل( تاريخ مدينة دمشق 360: 41؛ البداية والنهاية 104: 9)، وقد نُقل تارةً أنّ عبدالملك لجأ إلى داود بن يزيد بن معاوية( تاريخ مدينة دمشق 195: 17)، واخرى إلى خالد بن يزيد بن معاوية( عيون الأخبار 198: 1- 199؛ الأوائل: 254؛ صبح الأعشى في صناعة الإنشا 257: 6؛ نهاية الأرب في فنون الأدب 223: 21)، وثالثةً إلى محمّد بن الحنفيّة( تاريخ مدينة دمشق 332: 54).
وإذا كانت هذه المصادر الاولى صريحةً في لجوء عبدالملك إلى الإمام الباقر( عليه السلام) ابتداءً، فمن الممكن أن يكون( قدّس سرّه) قد استنتج ما ذكره باعتبار أنّ عبدالملك أمر« بضرب الدراهم سنة ستٍّ وسبعين، ثمّ أمر بعد ذلك بضرب الدنانير، وهو أوّل من ضربها في الإسلام»( الأخبار الطوال: 316؛ النقود الإسلاميّة، المتن: 10)، فكان ذلك في حياة الإمام السجّاد( عليه السلام) المتوفّى سنة 95 ه-( الكافي 468: 1، الحديث 6)؛ فيُستبعد أن يكون عبدالملك قد لجأ إلى الإمام الباقر( عليه السلام) ابتداءً في حياة والده مع كونهما في المدينة، ومع علم عبدالملك بصدورهما عن معدن علم واحد.
وقد استشهد الشهيد الصدر( قدّس سرّه) بهذه الحادثة في بحث: الاتجاه الشمولي في دراسة حياة أئمّة أهل البيت( عليهم السلام)، وذكر وقوعها بين هشام[ بن عبدالملك] وبين الإمام الباقر( عليه السلام)، فصحّ منه( قدّس سرّه) الشقُّ الثاني دون الأوّل. ويبدو أنّه( قدّس سرّه) قد خلط بين هذه الحادثة وبين جواب الإمام السجّاد( عليه السلام) عن كتاب ملك الروم لى عبد الملك بن مروان الذي هدّد فيه بغزو المسلمين إن لم يؤدّوا الجزية، وهو ما ذكره( قدّس سرّه) في المحاضرة المذكورة.