إذاً فهو كان ينظر بعين الغيب إلى المستقبل بهذه النظرة. لم يكن يرى في المستقبل نوعاً من التكريم يُتدارك به هذا الحرمان. كانت الأجيال التي سوف تأتي بعد أن يفارق الدنيا، هذه الأجيال كانت ضحية مؤامرةٍ امويّة جعلتها لا تدرك أبداً دور الإمام عليٍّ (عليه الصلاة والسلام) في بناء الإسلام.
هذا هو حرمان الماضي، وهذا هو حرمان المستقبل. وبالرغم من كلّ هذا قال (عليه الصلاة والسلام): «فزت وربّ الكعبة»[1].
حينما أدرك أنّها اللحظة الأخيرة، وأنّه انتهى خطُّ جهاده وهو في قِمّة جهاده، وانتهى خطُّ محنته وهو في قمّة صلاته وعبادته، قال: «فزت وربّ الكعبة»؛ لأنّه لم يكن إنسان الدنيا، ولو كان إنسان الدنيا لكان أتعس إنسانٍ على الإطلاق، لو كان إنسان الدنيا لكان قلبه يتفجّر ألماً وكان قلبه يتفجّر حسرةً، ولكنّه لم يكن إنسان الدنيا. لو كان إنسان الدنيا فسوف يندم ندماً لا ينفعه معه شيء؛ لأنّه بنى شيئاً ثمّ انقلب عليه هذا [[2] البناء ليحطّمه، أيُّ شيءٍ يمكن أن ينفع هذا الشخص؟
إذا فرضنا أنّ شخصاً أراد أن يربّي شخصاً لكي يخدمه، فلمّا تربّى ذاك الشخص ونما واكتمل رشده جاء ليقتل مربّيه، ماذا ينفع المربِّي غير أن يموت ندماً؟
لكنّ هذا الرجل العظيم قال: «فزت وربّ الكعبة». كان أسعد إنسانٍ ولم يكن أتعس إنسان؛ لأنّه كان يعيش لله ولم يكن يعيش للدنيا، كان يعيش
[1] تقدّم توثيقه.
[2] من قوله( قدّس سرّه):« البناء» إلى آخر المحاضرة ساقطٌ من المحاضرة الصوتيّة، وقد أثبتناه تلفيقاً بين( ف) و( غ).