الذين لم يساهموا في هذا البناء][1]، [هم اولئك الذين كانوا يفرّون في اللحظات الحاسمة في عمليّة] هذا البناء، هم اولئك الذين كانوا على استعدادٍ دائماً للتنازل عن مستوى هذا البناء في أيّ لحظةٍ من اللحظات، اولئك حصلوا على مكاسب عريضةٍ من هذا البناء.
أمّا هذا الإمام الممتحن الذي لم يفرّ لحظة، الذي لم يتلكّأ في آن، الذي لم يتلعثم في قولٍ أو عمل، هذا الإمام العظيم لم يحصل على أيّ مكسبٍ من هذا البناء بأيّ شكلٍ من الأشكال!
انظروا! إنّ هذه الحادثة يمكن أن تفجّر قلب الإنسان ألماً، الإنسان غير العامل حينما ينظر في حال إنسانٍ عاملٍ على هذا الترتيب[2] يتفجّر قلبه ألماً لحال هذا العامل المسكين، لحال هذا العامل التعيس الذي بنى فغيّر الدنيا، ثمّ لم يستفد من هذا التغيير.
ثمّ تعالوا انظروا إلى المستقبل الذي كان ينظره الإمام عليٌّ بعين الغيب. هذا ماضيه، فماذا عن مستقبله؟!
كان يرى بعين الغيب أنّ عدوّه اللدود سوف يطأ منبره، سوف يطأ مسجده، سوف ينتهك كلّ الحرمات والكرامات التي ضحّى وجاهد في سبيلها، سوف يستغلّ هذه المنابر التي شيّدت بجهاده وجهوده ودمه، سوف يستغلّها في لعنه وسبّه عشرات السنين، هو الذي كان يقول لأصحابه، كان يقول لهم، لبعض الخلّص من أصحابه: «إنّه سوف يعرض عليكم سبّي ولعني والبراءة منّي، أمّا السبُّ فسبّوني، وأمّا البراءة منّي فلا تتبرّؤوا منّي»[3].
[1] ما بين عضادتين ساقطٌ من المحاضرة الصوتيّة، وقد أثبتناه من( ف) و( غ)، والجملة التالية أثبتناها من( غ) خاصّة.
[2] أي: على هذا الشكل.
[3] « أمّا إنّه سيظهر عليكم بعدي رجلٌ رحْب البلعوم مندحق البطن، يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه. ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي، فأمّا السبُّ فسبّوني؛ فإنّه لي زكاة ولكم نجاة. وأمّا البراءة فلا تتبرّؤا منّي؛ فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة» نهج البلاغة: 92، الخطبة 57.